هُنَا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَالِدٌ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ فِي الْحَدِيثِ بَعْدُ، فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ حَدِيثُ سُهَيْلٍ فِي الْأَشْيَاخِ الَّذِينَ مِنْهُمْ خَالِدٌ مَعَ الْغُلَامِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي أَبِي بَكْرٍ وَالْأَعْرَابِيِّ، وَهُمَا قِصَّتَانِ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَيْضًا لَا يُقَالُ لِخَالِدٍ أَعْرَابِيٌّ إِذْ هُوَ مِنْ أَجِلَّةِ قُرَيْشٍ.
(وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَشَرِبَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ) ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ: فَقَالَ عُمَرُ - وَخَافَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَعْرَابِيَّ - أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَكَ، فَأَعْطَاهُ الْأَعْرَابِيَّ عَنْ يَمِينِهِ، (وَقَالَ: الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ) ، ضُبِطَ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ: أَعْطِ الْأَيْمَنَ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ: الْأَيْمَنُ أَحَقُّ، قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَجَّحَ الرَّفْعَ بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ، قَالَ أَنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ، أَيْ تَقْدِمَةُ الْأَيْمَنِ، وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا ابْنُ حَزْمٍ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الْأَيْمَنُ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اسْتَقَى، قَالَ: ابْدَؤُوا بِالْكُبَرَاءِ، أَوْ قَالَ: بِالْأَكَابِرِ» "، فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَحَدٌ بَلْ كَانُوا كُلُّهُمْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مَثَلًا.
وَفِيهِ أَنَّ خَلْطَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ لِلشُّرْبِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَغِشٌّ، وَأَنَّ الْمَجْلِسَ عَنِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ سَوَاءٌ، إِذْ لَوْ كَانَ الْفَضْلُ لِلْيَمِينِ لَمَا آثَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَعْرَابِيَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَقِيلَ: كَانَ الْأَعْرَابِيُّ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ فَلِذَا جَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَبَقَ أَبَا بَكْرٍ، فَفِيهِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَكَانٍ مِنْ مَجْلِسِ الْعَالِمِ أَوْلَى بِهِ مَنْ غَيْرِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَأَنَّهُ لَا يُقَامُ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَجَمِيعِ الْأُمُورِ لِمَا شَرَّفَ اللَّهُ بِهِ أَهْلَ الْيَمِينِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْأَشْرِبَةِ، الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَلَهُ مُتَابَعَاتٌ وَطُرُقٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute