الْوَلِيدِ، (فَقَالَ لِلْغُلَامِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ) الَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ الشَّرْبَةَ لَكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْثِرَ بِهَا خَالِدًا "، (فَقَالَ الْغُلَامُ: لَا وَاللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا) ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِمُؤْثِرٍ بِسُؤْرِكَ عَلَيَّ أَحَدًا "، (فَتَلَّهُ) - بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ وَضَعَهُ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَدِهِ) ، أَيِ الْغُلَامِ، فَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ فِي الشُّرْبِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ صَغِيرًا أَوْ مَفْضُولًا، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْأَفَاضِلِ وَالْكِبَارِ، فَهُوَ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْحُقُوقِ فِي بَاقِي الْأَوْصَافِ، وَأَنَّ الْجُلَسَاءَ شُرَكَاءُ فِي الْهَدِيَّةِ عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ وَالْفَضْلِ، لَا الْوُجُوبِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِذَلِكَ لَا تَجِبُ لِأَحَدٍ.
وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا: " «جُلَسَاؤُكُمْ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْهَدِيَّةِ» "، بِإِسْنَادٍ فِيهِ لِينٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَإِنَّمَا اسْتَأْذَنَ الْغُلَامَ هُنَا، وَلَمْ يَسْتَأْذِنِ الْأَعْرَابِيَّ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ اسْتِئْلَافًا لِقَلْبِ الْأَعْرَابِيِّ، وَتَطْيِيبًا لِنَفْسِهِ، وَشَفَقَةً أَنْ يَسْبِقَ إِلَى قَلْبِهِ شَيْءٌ يَهْلِكُ بِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْغُلَامِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لِقَرَابَتِهِ وَسَنِّهِ دُونَ الْأَشْيَاخِ فَاسْتَأْذَنَهُ تَأَدُّبًا، وَلِئَلَّا يُوحِشَهُمْ بِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْلِيمًا بِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ لِغَيْرِ الْأَيْمَنِ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَيَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute