للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (حَتَّى الدَّوَاءُ فَيَطْعَمَهُ أَوْ يَشْرَبَهُ) - بِنَصْبِ الْفِعْلَيْنِ - (إِلَّا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ) ; لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى النِّعَمِ يَرْتَبِطُ بِهِ الْعَبِيدُ، وَيُسْتَجْلَبُ بِهِ الْمَزِيدُ، فَلَحَظَ وَقْتَ حُضُورِ الْغَدَاءِ إِلَى أَجَلِّ النِّعَمِ، فَقَالَ: (الَّذِي هَدَانَا) ، إِذِ الْهِدَايَةُ لِلْإِيمَانِ أَعْظَمُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ، فَشُكْرُهُ عَلَيْهَا مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهَا، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى بِالْحَامِدِ أَنْ لَا يُجَرِّدَ حَمْدَهُ إِلَى دَقَائِقِ النِّعَمِ، بَلْ يَنْظُرُ إِلَى جَلَائِلِهَا فَيَحْمَدُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْحَمْدَ مِنْ نَتَائِجِ الْهِدَايَةِ لِلْإِسْلَامِ.

(وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا) : قَدَّمَ الطَّعَامَ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ، حَتَّى كَأَنَّ السَّقْيَ مِنْ تَتِمَتِّهِ، وَتَابِعٌ لَهُ لِأَنَّ الْأَكْلَ يَسْتَدْعِي الشُّرْبَ.

(وَنَعَّمَنَا) بِأَنْوَاعِ النِّعَمِ الَّتِي لَا تُحْصَى.

(اللَّهُ أَكْبَرُ) ، سُرُورًا بِهَذِهِ النِّعَمِ، (اللَّهُمَّ أَلْفَتْنَا) : وَجَدَتْنَا، (نِعْمَتُكَ بِكُلِّ شَرٍّ) مِنَ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَتِكَ وَشُكْرِكَ، (فَأَصْبَحْنَا مِنْهَا وَأَمْسَيْنَا بِكُلِّ خَيْرٍ) مِنْ فَضْلِكَ، وَلَمْ تُعَامِلْنَا بِتَقْصِيرِنَا.

(نَسْأَلُكَ تَمَامَهَا) ، لَعَلَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِمَعْنَى إِدَامَتِهَا، أَيِ النِّعَمِ، (وَشُكْرِهَا) فَإِنَّا لَا نَبْلُغُهُ إِلَّا بِفَضْلِكَ، إِذْ هُوَ نِعْمَةٌ تَسْتَدْعِي شُكْرًا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ.

(لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ) فَإِنَّهُ بِيَدِكَ دُونَ غَيْرِكَ.

(وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ) ، يُرْجَى لِكَشْفِ الضُّرِّ وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الشُّكْرِ.

(إِلَهَ) بِالنَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ، (الصَّالِحِينَ) الْمُسْلِمِينَ، (وَرَبَّ الْعَالَمِينَ) ، أَيْ مَالِكَ جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالدَّوَابِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَكُلٌّ مِنْهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَالَمٌ يُقَالُ: عَالَمُ الْإِنْسِ، وَعَالَمُ الْجِنِّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَغَلَبَ فِي جَمْعِهِ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ أُولَى الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنَ الْعَلَامَةِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى مُوجِدِهِ.

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، جُمْلَةٌ قُصِدَ بِهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِمَضْمُونِهَا مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ مِنَ الْخَلْقِ، وَمُسْتَحِقٌّ لِأَنْ يُحْمَدَ.

(وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) ، أَتَى بِهِ إِشَارَةً إِلَى اسْتِحْبَابِ هَذَا الذِّكْرِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يُعْجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: ٣٩] (سورة الْكَهْفِ: الْآيَةُ ٣٩) ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، انْتَهَى.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: " كَانَ مَالِكٌ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، قُلْتُ لَهُ: لِمَ تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: أَلَا تَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ، وَتَلَا الْآيَةَ، وَجَاءَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ»(اللَّهُمَّ بَارِكْ) : أَتِمَّ وَزِدْ (لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) بِعَدَمِ دُخُولِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>