فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي كُلِّ حَالٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ عُرْوَةُ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ أَنْ يُؤَذِّنَ لِفَضْلِ الْأَذَانِ عِنْدَهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ.
(قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ الرَّاكِبُ وَهُوَ رَاكِبٌ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُؤَذِّنُ عَلَى الْبَعِيرِ وَيَنْزِلُ فَيُقِيمُ، وَأَجَازَ الْحَسَنُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ يَنْزِلَ فَيُصَلِّيَ، وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَذَانِ الْمُسَافِرِ رَاكِبًا، وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ، وَمَنْ كَرِهَهُ لِلْمُقِيمِ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةَ الْأَذَانِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ أَنْ يُؤَذِّنَ قَاعِدًا، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ: حَقٌّ وَسُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ أَنْ لَا يُؤَذِّنَ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ وَلَا يُؤَذِّنُ إِلَّا وَهُوَ عَلَى طُهْرِ وَوَائِلٌ صَحَابِيٌّ، وَقَوْلُهُ: سُنَّةٌ يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الرَّأْيِ، انْتَهَى.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ "، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَعِيَاضٌ: فِيهِ حُجَّةٌ لِشَرْعِ الْأَذَانِ قَائِمًا، وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: " قُمْ " اذْهَبْ إِلَى مَوْضِعٍ بَارِزٍ فَنَادِ فِيهِ بِالصَّلَاةِ لِيَسْمَعَكَ النَّاسُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْقِيَامِ فِي حَالِ الْأَذَانِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَمَا نَفَاهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الصِّيغَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ أَرْجَحَ.
وَنَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الْأَذَانَ قَاعِدًا لَا يَجُوزُ إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ وَأَبَا الْفَرَجِ الْمَالِكِيَّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ قَاعِدًا صَحَّ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ مِنَ السُّنَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute