اسْتَرْقُوا) » - بِسُكُونِ الْقَافِ - مِنَ الرُّقْيَةِ، وَهِيَ الْعُوذَةُ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - مَا يُرْقَى بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ: أَيِ اطْلُبُوا (لَهُمَا) مَنْ يَرْقِيهِمَا، (فَإِنَّهُ لَوْ سَبَقَ شَيْءٌ الْقَدَرَ) - بِفَتْحَتَيْنِ - أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ لِشَيْءٍ قُوَّةً بِحَيْثُ يَسْبِقُ الْقَدَرَ، (لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) ، لَكِنَّهَا لَا تَسْبِقُ الْقَدَرَ فَكَيْفَ غَيْرُهَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَلَوْ مُبَالَغَةٌ فِي تَحْقِيقِ إِصَابَةِ الْعَيْنِ جَرَى مَجْرَى التَّمْثِيلِ، إِذْ لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ سَابِقِ عَلَمِ اللَّهِ، وَنُفُوذِ مَشِيئَتِهِ، وَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: لَأَطْلُبَنَّكَ وَلَوْ تَحْتَ الثَّرَى، وَلَوْ صَعِدْتَ السَّمَاءَ.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ إِصَابَةَ الْعَيْنِ لَهَا تَأْثِيرٌ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُعَاجِلَ الْقَدَرَ شَيْءٌ، فَيُؤَثِّرَ فِي إِفْنَاءِ شَيْءٍ وَزَوَالِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ الْمُقَدَّرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، انْتَهَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ بِالْأَنْفُسِ» "، قَالَ الرَّاوِي يَعْنِي بِالْعَيْنِ.
وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقَدَرِ وَصِحَّةُ أَمْرِ الْعَيْنِ، وَأَنَّهَا قَوِيَّةُ الضَّرَرِ، وَالْأَمْرُ بِالرُّقَى وَأَنَّهَا نَافِعَةٌ، وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْيُ عَنْهَا فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ كَخَبَرِ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ ; لِأَنَّ الرُّقْيَةَ الْمَأْذُونَ فِيهَا مَا كَانَتْ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، أَوْ بِمَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ، وَيَجُوزُ شَرْعًا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا، بَلْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهَا مَا فُقِدَ فِيهَا شَرْعًا مِنْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute