للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(عَلَى الْمُصِحِّ) - بِكَسْرِ الصَّادِ - مِنْهَا فَرُبَّمَا يُصَابُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ الَّذِي أَوْرَدَهُ: لَوْ أَنِّي مَا أَحْلَلْتُهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحِلَّهُ لَأَصَابَهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهُ فَنَهَى عَنْهُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ غَالِبًا مِنْ وُقُوعِهَا فِي طَبْعِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» "، وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْجُذَامَ لَا يُعْدِي، لَكِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا نَفْرَةً وَكَرَاهِيَةً لِمُخَالَطَتِهِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ» "، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ، فَكَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ، فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا؟ قَالَ: فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «فَمَا أَجْرَبَ الْأَوَّلَ؟ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ نَفْسٍ، وَكَتَبَ حَالَهَا، وَمُصَابَهَا، وَرِزْقَهَا» "، الْحَدِيثَ، فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَقَدَرِهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ} [الحديد: ٢٢] (سورة الْحَدِيدِ: الْآيَةُ ٢٢) ، الْآيَةَ.

وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ إِيرَادِ الْمُمْرِضِ، فَمِنْ بَابِ اجْتِنَابِ الْأَسْبَابِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَجَعَلَهَا أَسْبَابًا لِلْهَلَاكِ، أَوِ الْأَذَى، وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْبَلَاءِ إِذَا كَانَ فِي عَافِيَةٍ مِنْهَا.

وَفِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِحَائِطٍ مَائِلٍ فَقَالَ: أَخَافُ مَوْتَ الْفَوَاتِ» وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَلْيَحْلُلِ الْمُصِحُّ حَيْثُ شَاءَ) ، فَلَهُ نُزُولُ مَحَلَّةِ الْمَرِيضِ إِنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَتْهُ نَفْسُهُ.

(قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّهُ أَذًى) ، أَيْ يَتَأَذَّى بِهِ، لَا أَنَّهُ يُعْدِي، قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِإِبِلِهِ، أَوْ غَنَمِهِ الْجَرِبَةِ، فَيَحُلَّ بِهَا عَلَى مَاشِيَةٍ صَحِيحَةٍ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: سَمِعْتُ أَنَّ تَفْسِيرَهُ فِي رَجُلٍ يَكُونُ بِهِ الْجُذَامُ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى الصَّحِيحِ يُؤْذِيهِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْدِي، فَالْأَنْفُسُ تَكْرَهُهُ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّهُ أَذًى، يَعْنِي لَا لِلْعَدْوَى.

وَأَمَّا الصَّحِيحُ، فَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ مَحَلَّةَ الْمَرِيضِ إِنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَتْهُ نَفْسُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>