بْنِ أَبِي رَافِعٍ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ عُمَرَ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، وَأَبَا أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ، وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَأَبَا رَافِعٍ يُنْهِكُونَ شَوَارِبَهُمْ كَالْحَلْقِ، وَلِذَا ذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى التَّخْيِيرِ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى قَوْلَ مَالِكٍ وَالْكُوفِيِّينَ، وَنَقَلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ: الِاسْتِئْصَالُ، قَالَ: دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ، وَلَا تَعَارُضَ، فَالْقَصُّ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ، وَالْإِحْفَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ، فَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ، فَيُخَيَّرُ فِيمَا شَاءَ.
(وَإِعْفَاءِ اللِّحَى) ، بِكَسْرِ اللَّامِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا، وَبِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ: جَمْعُ لِحْيَةٍ بِالْكَسْرِ فَقَطْ، اسْمٌ لِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ وَالذَّقَنِ، وَمَعْنَاهُ تَوَفُّرُهَا لِتَكْثُرَ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ إِعْفَاءَهَا مِنَ الْإِحْفَاءِ ; لِأَنَّ كَثْرَتَهَا أَيْضًا لَيْسَ مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانَا يَأْخُذَانِ مِنَ اللِّحْيَةِ مَا فَضَلَ عَنِ الْقَبْضَةِ.
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ اللِّحْيَةِ إِذَا طَالَتْ جِدًّا، قَالَ: أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا وَيُقَصَّ، انْتَهَى.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ.
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا بِالسَّوِيَّةِ» "، أَيْ لِيَقْرُبَ مِنَ التَّدْوِيرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ; لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ مَحْبُوبٌ، وَالطُّولَ الْمُفْرِطَ قَدْ يُشَوِّهُ الْخَلْقَ، وَيُطْلِقُ أَلْسِنَةَ الْمُغْتَابِينَ، فَفِعْلُ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ مَا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى تَقْصِيصِ اللِّحْيَةِ، وَجَعْلِهَا طَاقَاتٍ فَيُكْرَهُ، أَوْ يَقْصِدُ الزِّينَةَ وَالتَّحْسِينَ لِنَحْوِ النِّسَاءِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ ; لِأَنَّهُ فِي الْأَخْذِ مِنْهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، أَوْ لِنَحْوِ تَزَيُّنٍ، وَفِعْلُهُ فِيمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ لِتَشَعُّثٍ أَوْ إِفْرَاطِ طُولٍ يُتَأَذَّى بِهِ.
وَقَالَ الطَّيْبِيُّ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَصُّهَا كَالْأَعَاجِمِ، أَوْ وَصْلُهَا كَذَنَبِ الْحِمَارِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الِاسْتِئْصَالُ، أَوْ مَا قَارَبَهُ بِخِلَافِ الْأَخْذِ الْمَذْكُورِ.
وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى كِلَيْهِمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute