للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِتُوهِمَ كَثْرَتَهُ، (كَانَتِ) الْقُصَّةُ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ، أَيْ ذَلِكَ الشَّعَرُ (فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ) ، بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالرَّاءِ، وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَاتِ، وَتَحْتِيَّةٍ، مِنْ خَدَمِهِ الَّذِينَ يَحْرُسُونَهُ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ: وَجَدْتُ هَذِهِ عِنْدَ أَهْلِي، وَزَعَمُوا أَنَّ النِّسَاءَ يَزِدْنَهُ فِي شُعُورِهِنَّ.

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ: مَا كُنْتُ أَرَى يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ، (يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) ، أَيْ لِيُسَاعِدُوهُ عَلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ، أَوْ لِيُنْكِرَ هُوَ عَلَيْهِمْ إِهْمَالَهُمْ إِنْكَارَ ذَلِكَ، وَعَدَمَ تَغْيِيرِهِمْ لِذَلِكَ الْمُنْكَرِ.

(سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ) الْقُصَّةِ الَّتِي تَصِلُهُ الْمَرْأَةُ بِشَعَرِهَا، (وَيَقُولُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّمَا هَلَكَتْ) ، وَلِمُسْلِمٍ: إِنَّمَا عُذِّبَ (بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ) ، أَيْ مِثْلَ هَذِهِ الْقُصَّةِ، وَوَصَلَهَا بِالشَّعَرِ (نِسَاؤُهُمْ) .

وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ مُعَاوِيَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهُ الزُّورَ» "، يَعْنِي الْوَصْلَةَ فِي الشَّعَرِ، أَيْ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَتَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ، وَالزُّورُ: الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ.

وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: «أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ زِيَّ سُوءٍ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نَهَى عَنِ الزُّورِ» .

قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ بِعَصًا عَلَى رَأْسِهَا خِرْقَةٌ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلَا وَهَذَا الزُّورُ.

قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي مَا يُكَثِّرُ بِهِ النِّسَاءُ شُعُورَهُنَّ مِنَ الْخِرَقِ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ الِاعْتِبَارُ وَالْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ لِخَوْفِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْهَلَاكَ كَبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ مِثْلَهُ اسْتَحَقَّهُ، أَوْ يَعْفُو اللَّهُ، وَوُجُوبُ اجْتِنَابِ عَمَلٍ هَلَكَ بِهِ قَوْمٌ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْقُصَّةَ لَمْ تُفْشَ فِيهِمْ حَتَّى أَعْلَنُوا بِالْكَبَائِرِ، فَكَأَنَّ الْقُصَّةَ عَلَامَةٌ لَا تَكَادُ تَظْهَرُ إِلَّا فِي أَهْلِ الْفِسْقِ، لَا أَنَّهَا فَعْلَةٌ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا الْهَلَاكَ بِهَا دُونَ أَنْ يُجَامِعَهَا غَيْرُهَا.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ نُهُوا تَحْرِيمًا عَنْ ذَلِكَ، فَاتَّخَذُوهُ اسْتِخْفَافًا، فَهَلَكُوا.

وَالَّذِي مُنِعُوا مِنْهُ جَاءَ عَنْ نَبِيِّنَا مِثْلُهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا: " «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ، وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ» "، انْتَهَى، مُلَخَّصًا.

وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَبَرٌ، فَيَكُونُ حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَابْنِ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَيُونُسُ، وَمَعْمَرٌ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا: غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ: «إِنَّمَا عُذِّبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>