النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «بِإِصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ» ) ، أَيِ السَّبَّابَةِ، وَفِي مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ: بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفِي الْبُخَارِيِّ: " «وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا» "، أَيْ أَنَّ الْكَافِلَ فِي الْجَنَّةِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَنَّ دَرَجَتَهُ لَا تَبْلُغُ دَرَجَتَهُ بَلْ تُقَارِبُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: حَقٌّ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِيَكُونَ رَفِيقَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنَّةِ، وَلَا مَنْزِلَةَ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: قُرْبُ الْمَنْزِلَةِ حَالَ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " «أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَفْتَحُ بَابَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تُبَادِرُنِي فَأَقُولُ مَنْ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ تَأَيَّمْتُ عَلَى أَيْتَامٍ لِي» "، وَرُوَاتُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ: سُرْعَةُ الدُّخُولِ، وَعُلُوُّ الْمَنْزِلَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَفَعَهُ: " «أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى مَاتُوا، أَوْ بَانُوا» "، فَهَذَا فِيهِ قَيْدٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ عَنْ جَابِرٍ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ أَضْرِبُ مِنْهُ يَتِيمِي؟ قَالَ: مَا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ غَيْرَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ» "، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: " «حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ» "، فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ لِلْكَفَالَةِ الْمَذْكُورَةِ أَمَدًا، وَمُنَاسَبَةُ التَّشْبِيهِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا، يَعْنِي الْعِرَاقِيَّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبْعَثَ إِلَى قَوْمٍ لَا يَعْقِلُونَ أَمْرَ دِينِهِمْ، فَيَكُونَ كَافِلًا لَهُمْ، وَمُرْشِدًا وَمُعَلِّمًا، وَكَافِلُ الْيَتِيمِ يَقُومُ بِكَفَالَةِ مَنْ لَا يَعْقِلُ أَمْرَ دِينِهِ، بَلْ وَلَا دُنْيَاهُ فَيُرْشِدُهُ، وَيُعَلِّمُهُ، وَيُحْسِنُ أَدَبَهُ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا.
وَلِمَالِكٍ فِي هَذَا إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الزُّهْدِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْغَيْثِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» "، وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ لَعَلَّ وَجْهَ إِيرَادِهِ فِي تَرْجَمَةِ السُّنَّةِ فِي الشَّعَرِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ كَفَالَةِ الْيَتِيمِ إِصْلَاحَ شَعَرِهِ، وَتَسْرِيحَهُ، وَدَهْنَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute