للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قَالَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصْبُغْ، وَلَوْ صَبَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَرْسَلَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ) مَعَ قَوْلِهَا: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغُ، أَوْ بِدُونِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَنَسٌ كَوْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبَغَ.

«وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ» .

وَقَالَ أَبُو رِمْثَةَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعَرٌ قَدْ عَلَاهُ الشَّيْبُ، وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ» ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ.

«وَسُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَلْ خَضَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَوَافَقَ مَالِكٌ أَنَسًا عَلَى الْإِنْكَارِ.

وَتَأَوَّلَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ بِحَمْلِهِ عَلَى الثِّيَابِ لَا الشَّعَرِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «كَانَ يَصْبُغُ بِالْوَرْسِ، وَالزَّعْفَرَانِ حَتَّى عِمَامَتِهِ» "، وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُهُ أَيْضًا: " «كَانَ يُصَفِّرُ بِهِمَا لِحْيَتَهُ» "، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مِمَّا يَتَطَيَّبُ بِهِ لَا أَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِهِمَا.

وَحَمْلُ أَحَادِيثِ غَيْرِهِ إِنْ صَحَّتْ عَلَى أَنَّ تَلَوُّنَهُ مِنَ الطِّيبِ لَا مِنَ الصَّبْغِ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.

قَالَ رَبِيعَةُ: «رَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ: أَحْمَرُ مِنَ الطِّيبِ» .

قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الْمَسْئُولِ الْمُجِيبِ بِذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَى «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ لِأَنَسٍ: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ قَدْ لُوِّنَ فَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيِّبُ بِهِ شَعَرَهُ فَهُوَ الَّذِي غَيَّرَ لَوْنَهُ» .

فَيُحْتَمَلُ أَنَّ رَبِيعَةَ سَأَلَ أَنَسًا عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ.

وَفِي رِجَالِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْغَرَائِبِ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " لَمَّا مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَضَبَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْئٌ مِنْ شَعَرِهِ، لِيَكُونَ أَبْقَى لَهَا "، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا اسْتَقَامَ إِنْكَارُ أَنَسٍ، وَيَقْبَلُ مَا أَثْبَتَهُ سِوَاهُ التَّأْوِيلَ، وَأُوِّلَ أَيْضًا بِأَنَّهُ صَبَغَ فِي وَقْتٍ حَقِيقَةً، وَتَرَكَ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ، فَأَخْبَرَ كُلٌّ بِمَا رَأَى وَهُوَ صَادِقٌ، فَمَنْ أَثْبَتَهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ، وَيُحْمَلُ نَفْيُ أَنَسٍ عَلَى غَلَبَةِ الشَّيْبِ، حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى خِضَابِهِ، وَلَمْ يُتَّفَقْ أَنَّهُ رَآهُ حِينَ خَضَبَ، وَغَايَةُ مَا يُفِيدُهُ هَذَا عَدَمَ الْحُرْمَةِ ; لِأَنَّهُ يَفْعَلُ الْمَكْرُوهَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ كَالْمُتَعَيَّنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ» "، وَلَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ لِصِحَّتِهِ، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ، فِيهِ نَظَرٌ، إِذْ هُوَ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمِلٌ لِلثِّيَابِ وَالشَّعَرِ، وَجَاءَ مَا يُعَيِّنُ الْأَوَّلَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَفْسِهِ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالْوَرْسِ، وَالزَّعْفَرَانِ حَتَّى عِمَامَتِهِ» "، وَلِذَا رَجَّحَهُ عِيَاضٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>