جَعَلْتَ أَمَا بِمَعْنَى أَلَا الِاسْتِفْتَاحِيَّةِ، وَبِفَتْحِهَا، إِنْ جَعَلْتَ بِمَعْنَى: حَقًّا، قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ، (لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ) ، أَيْ دَخَلْتَ فِي الْمَسَاءِ: (أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: التَّامَّةِ بِالْإِفْرَادِ، قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: وَهُمَا بِمَعْنًى، فَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ: الْجُمْلَةُ، وَبِالْوَاحِدَةِ مَا تَفَرَّقَ فِي الْأُمُورِ فِي الْأَوْقَاتِ، وَصَفَهَا بِالتَّمَامِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا خَالِصَةٌ مِنَ الرَّيْبِ وَالشُّبَهِ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: ١١٥] (سورة الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ ١١٥) ، {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: ٢] ، أَيْ مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ إِثْمٍ، وَمُضَارَّةِ بَعْضٍ لِبَعْضٍ مِنْ نَحْوِ: ظُلْمٍ وَبَغْيٍ، وَقَتْلٍ وَضَرْبٍ وَشَتْمٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ نَحْوِ: لَدْغٍ وَنَهْشٍ وَعَضٍّ.
(لَمْ يَضُرَّكَ) بِأَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ، وَبَيْنَ كَمَالِ تَأْثِيرِهَا بِحَسَبِ كَمَالِ التَّعَوُّذِ، وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ ; لِأَنَّ الْأَدْوِيَةَ الْإِلَهِيَّةَ تَمْنَعُ مِنَ الدَّاءِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَتَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَضُرَّ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: جَرَّبْتُ ذَلِكَ، فَوَجَدْتُهُ صِدْقًا، تَرَكْتُهُ لَيْلَةً فَلَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ فَتَفَكَّرْتُ، فَإِذَا أَنَا نَسِيتُ هَذَا التَّعَوُّذَ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: وَهَذَا، أَيِ التَّعَوُّذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مَقَامُ مَنْ بَقِيَ لَهُ الْتِفَاتٌ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَمَّا مَنْ تَوَغَّلَ فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ بِحَيْثُ لَا يَرَى فِي الْوُجُودِ إِلَّا اللَّهَ، لَمْ يَسْتَعِذْ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَمْ يَلْتَجِئْ إِلَّا إِلَيْهِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا يَرْقَى مِنْ هَذَا الْمَقَامِ قَالَ: أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، وَالرَّجُلُ الْمُخَاطَبُ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute