الْمُوَحَّدَةِ، ثَقِيلَةٍ بِإِدْغَامِ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ، وَالْأَصْلُ: فَأَحْبِبْهُ.
(فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي) بِأَمْرِ اللَّهِ، إِذْ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَا يُؤْمَرُونَ (فِي أَهْلِ السَّمَاءِ) ، زَادَ فِي مُسْلِمٍ: فَيَقُولُ: ( «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ» ) ، مَا قَابَلَ الْأَرْضَ، فَالْمُرَادُ: السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا إِعْلَامٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَأَمْرُهُ الْمَلَائِكَةَ بِذَلِكَ تَنْوِيهٌ بِهِ وَتَشْرِيفٌ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَلَأِ الْكَرِيمِ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ.
قَالَ عِيَاضٌ: مَحَبَّةُ جِبْرِيلَ، وَالْمَلَائِكَةِ تَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ مِنَ الْمَيْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا ثَنَاؤُهُمْ عَلَيْهِ، وَاسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ.
(ثُمَّ يَضَعُ لَهُ الْقَبُولَ) - بِفَتْحِ الْقَافِ -: الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَى، وَمَيْلُ النَّفْسِ (فِي) أَهْلِ (الْأَرْضِ) ، أَيْ يُحْدِثُ لَهُ فِي الْقُلُوبِ مَوَدَّةً، وَيَزْرَعُ لَهُ فِيهَا مَهَابَةً، فَتُحِبُّهُ الْقُلُوبُ، وَتَرْضَى عَنْهُ النُّفُوسُ مِنْ غَيْرِ تَوَدُّدٍ مِنْهُ، وَلَا تَعَرُّضٍ لِلْأَسْبَابِ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا مَوَدَّاتِ الْقُلُوبِ مِنْ قَرَابَةٍ، أَوْ صَدَاقَةٍ، أَوِ اصْطِنَاعِ مَعْرُوفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِرَاعٌ مِنْهُ تَعَالَى ابْتِدَاءً، تَخْصِيصًا مِنْهُ لِأَوْلِيَائِهِ بِكَرَامَةٍ خَاصَّةٍ، كَمَا يَقْذِفُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِ الرُّعْبَ وَالْهَيْبَةَ إِعْظَامًا لَهُمْ، وَإِجْلَالًا لِمَكَانِهِمْ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ: إِنَّ اللَّهَ يَبْتَدِئُ الْمَحَبَّةَ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْقُرْآنُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: ٩٦] (سورة مَرْيَمَ: الْآيَةُ ٩٦) ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى النَّاسِ، انْتَهَى.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَيَنْشَأُ عِنْدَهُمْ هَيْبَتُهُ وَإِعْزَازُهُمْ لَهُ: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: ٨] (سورة الْمُنَافِقُونَ: الْآيَةُ ٨) ، قَالَ الْأَبِيُّ: وَلَا يُشْكَلُ عَلَى الْحَدِيثِ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ لَا يَعْرِفُ فَضْلًا عَنْ وَضْعِ الْقَبُولِ لَهُ بِدَلِيلِ خَبَرِ: «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ» ; لِأَنَّ الْمَعْنَى إِذَا أَحَبَّهُ قَدْ يَضَعُ، فَالْقَضِيَّةُ مُهْمَلَةٌ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ ; لِأَنَّ " إِذَا وَإِنْ " إِهْمَالٌ فِي الشَّرْطِيَّاتِ، لَا كُلِّيَّةٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْمَنْطِقِ.
( «وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ الْعَبْدَ» ) ، أَيْ أَرَادَ بِهِ شَرًّا وَأَبْعَدَهُ عَنِ الْهِدَايَةِ،
(قَالَ مَالِكٌ: لَا أَحْسِبُهُ) ، لَا أَظُنُّ سُهَيْلًا (إِلَّا قَالَ فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ تَخْتَلِفْ رِوَايَةُ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ سُهَيْلٍ جَمَاعَةٌ لَمْ يَشُكُّوا، مِنْهُمْ: مَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرِ الْبُغْضَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ بِسَنَدِهِ فَقَالَ: " «وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ» "، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute