للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِغَرَضٍ (فَقَالَ: آللَّهِ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ، وَالْخَفْضِ، (فَقُلْتُ: آللَّهِ، قَالَ) أَبُو إِدْرِيسَ، (فَقَالَ مُعَاذٌ) ثَانِيًا: (آللَّهِ، فَقُلْتُ: آللَّهِ، قَالَ) أَبُو إِدْرِيسَ: (فَأَخَذَ) مُعَاذٌ (بِحُبْوِ رِدَائِي) - بِضَمِّ الْحَاءِ، وَإِسْكَانِ الْبَاءِ - أَيْ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُحْتَبَى بِهِ مِنَ الرِّدَاءِ، فَالْحُبْوَةُ: ضَمُّ السَّاقَيْنِ إِلَى الْبَطْنِ بِثَوْبٍ، وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَالِكٍ: فَأَخَذَ بِحُبْوَتِي، لَمْ يَقُلْ: رِدَائِي، (فَجَبَذَنِي) ، تَقْدِيمُ الْبَاءِ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ بِمَعْنَى: جَذَبَنِي بِتَقْدِيمِ الذَّالِ، وَلَيْسَتْ مَقْلُوبَةً كَمَا زَعَمَ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ ابْنُ السَّرَّاجِ، فَقَالَ: لَيْسَ أَحَدُهُمَا مَأْخُوذًا مِنَ الْآخَرِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَصَرِّفٌ فِي نَفْسِهِ، أَيْ جَرَّنِي وَسَحَبَنِي.

(وَقَالَ: أَبْشِرْ) ، بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ، أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، ( «فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ» ) ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ: حَقَّتْ (مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ) ، بِلَفْظِ الْجَمْعِ هُنَا، وَفِيمَا بَعْدَهُ (فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ) ، أَيْ يَتَجَالَسُونَ فِي مَحَبَّتِي بِذِكْرِي، وَكَانَ الْجُنَيْدُ مَشْغُولًا فِي خَلْوَتِهِ، فَإِذَا جَاءَ إِخْوَانُهُ خَرَجَ وَقَعَدَ مَعَهُمْ، وَيَقُولُ: لَوْ أَعْلَمُ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ مُجَالَسَتِكُمْ مَا خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ لِمُجَالَسَةِ الْخَوَاصِّ أَثَرًا فِي صَفَاءِ الْحُضُورِ، وَنَشْرِ الْعُلُومِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ.

(وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الَّذِينَ يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ يَبْذُلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِصَاحِبِهِ نَفْسَهُ، وَمَالَهُ فِي مُهِمَّاتِهِ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ فِي اللَّهِ كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ بِبَذْلِ نَفْسِهِ لَيْلَةَ الْغَارِ، وَبَذْلِ مَالِهِ.

(وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ) ، لَا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، وَلَا أُخْرَوِيٍّ.

زَاد الطَّبَرَانِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: وَالْمُتَصَادِقِينَ فِيَّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ لَهَتْ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، فَتَعَلَّقَتْ بِتَوْحِيدِهِ فَأَلَّفَ بَيْنَهُمْ بِرُوحِهِ، وَرُوحُ الْجَلَالِ أَعْظَمُ شَأْنًا مِنْ أَنْ يُوصَفَ، فَإِذَا وَجَدَتْ قُلُوبُهُمْ نَسِيمَ رُوحِ الْجَلَالِ كَادَتْ تَطِيرُ فِي أَمَاكِنِهَا شَوْقًا إِلَيْهِ، فَهُمْ مَحْبُوسُونَ بِهَذَا الْهَيْكَلِ، فَصَارُوا فِي اللِّقَاءِ يَهِشُّ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ائْتِلَافًا، وَتَلَذُّذًا، وَشَوْقًا لِمَحْبُوبِهِمُ الْأَعْظَمِ، فَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ لَهُمُ الْحُبُّ فَفَازُوا بِكَمَالِ الْقُرْبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، قَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ لِقَاءُ أَبِي إِدْرِيسَ لِمُعَاذٍ، وَأَنْكَرَتْهُ طَائِفَةٌ لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ: أَدْرَكْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا وَفَاتَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَلِذَا قَالَ قَوْمٌ وَهِمَ مَالِكٌ، فَأَسْقَطَ مِنْ إِسْنَادِهِ أَبَا مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيَّ، وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: غَلِطَ أَبُو حَازِمٍ فِي قَوْلِهِ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ مُعَاذٍ، إِنَّمَا هُوَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>