وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ زُفَرَ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ يَقُولُ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا وَيَقُولُ لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ»
ــ
١٧٨٢ - ١٧٣٥ - (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ زُفَرَ) ، بِضَمِّ الزَّايِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ مَمْنُوعُ الصَّرْفِ، (ابْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ) ، وَهُمَا ثِقَتَانِ مَدَنِيَّانِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا أَعْلَمُ لِزُفَرَ وَلَا لِأَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَفِي رِوَايَةِ مَعْنٍ عَنْ زُفَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْقَاطٍ عَنْ أَبِيهِ، وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ كَمَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ، وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ) - بِالْمُعْجَمَةِ - أَيِ الصُّبْحِ (يَقُولُ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ: " فَنَقُصُّ عَلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقَصَّ ".
وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: " أَنَّهُ أَقَامَ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَرَكَ السُّؤَالَ، فَكَانَ يَعْبُرُ لِمَنْ قَصَّ مُتَبَرِّعًا "، قِيلَ: سَبَبُ تَرْكِهِ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ، وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، وَوُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ فَرَأَيْنَا الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - "، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
قَالُوا: فَمِنْ حِينَئِذٍ لَمْ يَسْأَلْ أَحَدًا إِيثَارًا لِسَتْرِ الْعَوَاقِبِ، وَإِخْفَاءِ الْمَرَاتِبِ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا كَاشِفَةً لِمَنَازِلِهِمْ، مُبَيِّنَةً لِفَضْلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي التَّعْيِينِ، خَشِيَ أَنْ يَتَوَاتَرَ وَيَتَوَالَى مَا هُوَ أَبْلَغُ فِي الْكَشْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَلِلَّهِ فِي سَتْرِ خَلْقِهِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَمَشِيئَةٌ نَافِذَةٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
(وَيَقُولُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ) أَلْ عَهْدِيَّةٌ، أَيْ نُبُوَّتِهِ، (إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) ، أَيِ الْحَسَنَةُ، أَوِ الصَّادِقَةُ الْمُنْتَظِمَةُ الْوَاقِعَةُ عَلَى شُرُوطِهَا الصَّحِيحَةِ، وَهِيَ مَا فِيهِ بِشَارَةٌ، أَوْ تَنْبِيهٌ عَلَى غَفْلَةٍ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الصَّالِحَةُ صِفَةٌ مُوَضِّحَةٌ لِلرُّؤْيَا لِأَنَّ غَيْرَهَا يُسَمَّى بِالْحُلْمِ، أَوْ مُخَصِّصَةٌ وَالصَّلَاحُ بِاعْتِبَارِ صَوْتِهَا، أَوْ تَعْبِيرِهَا، وَفِيهِ نَدْبُ التَّعْبِيرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَيَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِ أَهْلِ التَّعْبِيرِ: الْمُسْتَحَبُّ أَنَّهُ مِنْ طُلُوعِهَا إِلَى الرَّابِعَةِ، وَمِنَ الْعَصْرِ إِلَى قُرْبِ الْمَغْرِبِ.
وَرَدٌّ عَلَى مَا لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ، قَالَ: لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى امْرَأَةٍ، وَلَا تُخْبِرْ بِهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
قَالَ الْمُهَلَّبُ: تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْقَاتِ لِحِفْظِ صَاحِبِهَا لَهَا، لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِهَا قَبْلَ مَا يَعْرِضُ لَهُ نِسْيَانُهَا، وَلِحُضُورِ ذِهْنِ الْعَابِرِ، وَقِلَّةِ شُغْلِهِ بِالْفِكْرَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَعَاشِهِ، وَلِيَعْرِفَ الرَّائِي مَا يَعْرِضُ لَهُ بِسَبَبِ رُؤْيَاهُ فَيَسْتَبْشِرَ