وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنْ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ فَقَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ»
ــ
١٧٨٣ - ١٧٣٦ - (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَنْ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ» ) - بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ - جَمْعُ مُبَشِّرَةٍ، اسْمُ فَاعِلٍ لِلْمُؤَنَّثِ مِنَ الْبِشْرِ، وَهُوَ إِدْخَالُ السُّرُورِ، وَالْفَرَحِ عَلَى الْمُبَشَّرِ بِالْفَتْحِ، وَلَيْسَ جَمْعَ الْبُشْرَى لِأَنَّهَا اسْمٌ بِمَعْنَى الْبِشَارَةِ.
وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: " لَمْ " الَّتِي تَقْلِبُ الْمُضَارِعَ إِلَى الْمُضِيِّ بَدَلَ لَنْ، لَكِنَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُضِيِّ تَحْقِيقًا لِوُقُوعِهِ.
قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: الْمَقَامُ مُقْتَضٍ لِلنَّفْيِ بِلَنْ لِدَلَالَتِهَا عَلَى النَّفْيِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، يَعْنِي أَنَّ الْوَحْيَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ مَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ اه.
وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي زَمَانِهِ، وَاللَّامُ عَهْدِيَّةٌ وَالْمُرَادُ: نُبُوَّتُهُ، أَيْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ الْمُخْتَصَّةِ بِي إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ.
وَلِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَفْظُهُ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَشَفَ السِّتَارَةَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلَفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» "، وَلِلنَّسَائِيِّ أَنَّهُ: " «لَيْسَ بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» "، وَهَذَا يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ.
وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «أَنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ، وَلَا نَبِيَّ وَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَكِنْ بَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ "، (فَقَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ) بِنَفْسِهِ، (أَوْ تُرَى لَهُ) » - بِضَمِّ التَّاءِ - أَيْ يَرَاهَا لَهُ غَيْرُهُ، (جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) ، ظَاهِرُ هَذَا مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الرُّؤْيَا نُبُوَّةٌ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُ أَمْرِ الرُّؤْيَا بِالنُّبُوَّةِ ; لِأَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ وَصْفِهِ كَمَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَافِعًا صَوْتَهُ لَا يُسَمَّى مُؤَذِّنًا، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ أَذَّنَ وَإِنْ كَانَتْ جُزْءًا مِنَ الْأَذَانِ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَائِمٌ، لَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا وَإِنْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ جُزْءًا مِنَ الصَّلَاةِ.
وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أُمِّ كُرْزٍ - بِضَمِّ الْكَافِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ - الْكَعْبِيَّةِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ» "، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ.
قَالَ الْمُهَلَّبُ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute