فَيُنَاسِبُ فِعْلُهُ قَوْلَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَقِيلَ: إِلَى اسْتِعْظَامِ مَا دَخَلَ فِيهِ، وَقِيلَ إِلَى تَمَامِ الْقِيَامِ، وَقِيلَ: إِلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَعْبُودِ، وَقِيلَ: لِيَسْتَقْبِلَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا أَشْبَهُهَا.
وَقَالَ الرَّبِيعُ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَا مَعْنَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ؟ قَالَ تَعْظِيمُ اللَّهِ وَاتِّبَاعُ سُنَّةِ نَبِيِّهِ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ وَعِبَادَةٌ لَهُ وَابْتِهَالٌ إِلَيْهِ وَاسْتِسْلَامٌ لَهُ وَخُضُوعٌ فِي حَالَةِ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاتِّبَاعٌ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لِكُلِّ شَيْءٍ زِينَةٌ وَزِينَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ وَرَفْعُ الْأَيْدِي.
وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لَهُ بِكُلِّ إِشَارَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، بِكُلِّ أُصْبُعٍ حَسَنَةٌ انْتَهَى.
وَهَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: يُكْتَبُ فِي كُلِّ إِشَارَةٍ يُشِيرُهَا الرَّجُلُ بِيَدِهِ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ أُصْبُعٍ حَسَنَةٌ أَوْ دَرَجَةٌ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا، إِذْ لَا دَخْلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَهَذَا الرَّفْعُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَا وَاجِبَ كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَمِيدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَدَاوُدُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكُلُّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْوُجُوبُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَمِيدِيِّ وَهُوَ شُذُوذٌ وَخَطَأٌ، وَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ، وَلِذَا كَانَ أَسْلَمُ الْعِبَارَاتِ قَوْلَ أَبِي عُمَرَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ.
وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَخْتَلِفُوا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» .
( «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا» ) أَيْ يَدَيْهِ (كَذَلِكَ) أَيْ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ (أَيْضًا) كَذَا لِيَحْيَى وَالْقَعْنَبِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمَعْنٍ وَيَحْيَى وَالنَّيْسَابُورِيِّ وَابْنِ نَافِعٍ وَجَمَاعَةٍ فَلَمْ يَذْكُرُوا الرَّفْعَ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ لِلرُّكُوعِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَابْنُ نَافِعٍ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِثْبَاتِهِ فَقَالُوا: وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَلِكَ لِسَائِرِ مَنْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنَّ تَرْكَ ذِكْرِ الرَّفْعِ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ إِنَّمَا أَتَى مِنْ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي رُبَّمَا أَوْهَمَ فِيهِ ; لِأَنَّ جَمَاعَةً حُفَّاظًا رَوَوْا عَنْهُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَاخْتُلِفَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَرْفَعُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ.
وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ إِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْهُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالطَّبَرِيُّ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ تَرْكُ الرَّفْعِ فِيهِمَا رُوِيَ عَنْهُ فِعْلُهُ إِلَّا ابْنَ مَسْعُودٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ: لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ عَنْ مَالِكٍ تَرْكَ الرَّفْعِ فِيهِمَا إِلَّا ابْنُ الْقَاسِمِ وَالَّذِي نَأْخُذُ بِهِ الرَّفْعُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ مَالِكٌ ; لِأَنَّ نَافِعًا وَقَفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْبَعِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا سَالِمٌ وَنَافِعٌ.
ثَانِيهِمَا: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ