الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ فَادْخُلْ وَإِلَّا فَارْجِعْ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَأْتِنِي بِمَنْ يَعْلَمُ هَذَا لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا) يَتَوَعَّدُهُ، (فَإِنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَلْيَقُمْ مَعِي، فَقَالُوا) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ "، وَلِمُسْلِمٍ: " فَقَالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَحْدَثُنَا سِنًّا، قُمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ "، فَكَأَنَّ أُبَيًّا ابْتَدَأَ ذَلِكَ، وَوَافَقُوا عَلَيْهِ فَنُسِبَ لِلْجَمِيعِ، فَقَالُوا: (لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قُمْ مَعَهُ، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ أَصْغَرَهُمْ) ، فَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ لِكِبَارِهِمْ وَصِغَارِهِمْ، حَتَّى أَنَّ أَصْغَرَهُمْ يَحْفَظُهُ وَسَمِعَهُ مِنَ الْمُصْطَفَى، (فَقَامَ مَعَهُ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ: " فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ هَذَا عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ "، يَعْنِي الْخُرُوجَ إِلَى التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا لِأَجْلِ الْكَسْبِ لِعِيَالِهِ، وَالتَّعَفُّفِ عَنِ النَّاسِ، فَفِيهِ أَنَّ الْعِلْمَ الْخَاصَّ قَدْ يَخْفَى عَنِ الْأَكَابِرِ، فَيَعْلَمُهُ مَنْ دُونَهُمْ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَذَلِكَ يَصْدُقُ فِي وَجْهِ مَنْ يُطْلِقُ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ، إِذَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثٍ فَيَقُولُ: لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَعَلِمَهُ فُلَانٌ، فَإِذَا أُخْفِيَ ذَلِكَ عَلَى أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ فَغَيْرُهُمْ أَوْلَى.
قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ تَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ زَعَمَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْبَلُ خَبَرًا لِوَاحِدٍ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ الْمُطَابِقِ لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَتَثَبَّتَ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ مَذْهَبِهِ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بُرْدَةَ: " فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ لِعُمَرَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ " عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعِنْدَ غَيْرِهِ: " يَا عُمَرُ لَا تَكُنْ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عُمَرَ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيْئًا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ "، (فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي مُوسَى: أَمَّا إِنِّي لَا أَتَّهِمُكَ) ، بِمَا قَلْتُهُ لَكَ مِمَّا سَبَقَ مِنَ الْأَلْفَاظِ، (وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ) : يَكْذِبَ (النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ، فَخَشِيَ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَخْتَلِقُ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الرَّغْبَةِ، وَالرَّهْبَةِ طَلَبًا لِلْخُرُوجِ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ، فَأَرَادَ بِذَلِكَ إِعْلَامَهُمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَخْرَجِ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
زَادَ غَيْرُهُ: فَأَرَادَ عُمَرُ سَدَّ هَذَا الْبَابِ وَرَدْعَ غَيْرِ أَبِي مُوسَى لَا شَكًّا فِي رِوَايَتِهِ، فَإِنَّ مَنْ دُونَهُ إِذَا بَلَغَتْهُ قِصَّتُهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، أَوْ أَرَادَ وَضْعَ حَدِيثٍ خَافَ مِنْ مِثْلِ قَضِيَّةِ أَبِي مُوسَى فَالْمُرَادُ غَيْرُهُ.
وَفِي الْقِصَّةِ دَلِيلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute