(فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ) - لَمْ يُسَمِّ النِّسْوَةَ - وَالْقَائِلُ: هِيَ مَيْمُونَةُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، (أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، فَقِيلَ هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ) ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْأَصَمِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ "، (فَرَفَعَ يَدَهُ) عَنِ الضَّبِّ، قَالَ خَالِدٌ: (فَقُلْتُ: أَحْرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي) » مَكَّةَ أَصْلًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا كَثِيرًا فِيهَا فَلَمْ يَأْكُلُوهُ.
وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: " هَذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلْهُ قَطُّ "، (فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ) - بِعَيْنِ مُهْمَلَةٍ، وَفَاءِ مُضَارِعٍ، عِفْتُ الشَّيْءَ، أَيْ: أَجِدُ نَفْسِي تَكْرَهُهُ، وَمَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ هُنَا تَأْكِيدُ الْخَبَرِ كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: لَيْسَ بِحَرَامٍ، قِيلَ: وَلِمَ لَا تَأْكُلُهُ أَنْتَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، وَالْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ فِي أَجِدُنِي.
(وَقَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ) - بِجِيمٍ سَاكِنَةٍ، فَفَوْقِيَّةٍ، فَرَاءٍ مُكَرَّرَةٍ - أَيْ: جَرَرْتُهُ (فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ) إِلَيَّ، فَأَكْلُهُ حَلَالٌ بِنَصِّهِ وَإِقْرَارِهِ عَلَى أَكْلِهِ عِنْدَهُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ بِلَا كَرَاهَةٍ، كَمَا رَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ خِلَافًا لِقَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: يَكْرَهُهُ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ لَمَّا سَأَلَتْهْ عَنْ أَكْلِهِ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَحَكَى عِيَاضٌ تَحْرِيمَهُ عَنْ قَوْمٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ مِنْهُ مَا يُظْهِرُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا النُّفُوسُ تَعَافُ مَا لَمْ تَعْهَدْ، وَحَلَّ الضَّبُّ، وَإِنَّ مِنَ الْحَلَالِ مَا تَعَافُهُ النَّفْسُ، وَأَنَّ الْحُرْمَةَ، وَالْحِلَّ لَيْسَا مَرْدُودَيْنِ إِلَى الطِّبَاعِ، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، أَوْ كَانَ فِي مَعْنَى مَا حَرَّمَهُ أَحَدُهُمَا، قَالَ: وَدُخُولُ خَالِدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ الْبَيْتَ، وَفِيهِ النِّسْوَةُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ، انْتَهَى.
وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، إِذْ يَجُوزُ أَنَّهُ بَعْدَهُ وَهُنَّ مَسْتُورَاتٌ.
وَأَمَّا مَيْمُونَةُ فَخَالَطَتْهُمَا.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute