حَظَّهَا مِنَ الْمَنَازِلِ، وَلَا تَكُونُوا عَلَيْهَا شَيَاطِينَ» "، أَيْ: لَا تَرْكَبُوهَا رُكُوبَهُمْ، وَلَا تَسْتَعْمِلُوهَا اسْتِعْمَالَهُمْ فِي عَدَمِ مُرَاعَاةِ الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ.
(فَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ) الَّتِي تَسِيرُونَ فِيهَا (جَدْبَةً) - بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - (فَانْجُوا عَلَيْهَا) بِنُونٍ وَجِيمٍ، أَيْ: أَسْرِعُوا، وَالنَّجَا بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ السُّرْعَةُ، أَيِ: اطْلُبُوا النَّجَا مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ بِسُرْعَةِ السَّيْرِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ (بِنِقْيِهَا) - بِكَسْرِ النُّونِ، وَسُكُونِ الْقَافِ - شَحْمِهَا فَإِنَّكُمْ إِنْ أَبْطَأْتُمْ عَلَيْهَا فِي أَرْضٍ جَدْبَةٍ ضَعُفَتْ، وَهَزَلَتْ.
( «وَعَلَيْكُمْ بِسَيْرِ اللَّيْلِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ مَا لَا تُطْوَى بِالنَّهَارِ» ) بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا، لِلْعِلْمِ بِالْفَاعِلِ سُبْحَانَهُ، شَبَّهَ سُهُولَةَ السَّيْرِ لَيْلًا بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ يَسْهُلُ حَمْلُهُ.
وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ مَرْفُوعًا: " «إِذَا رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعُجْمَ، فَانْجُوا عَلَيْهَا، فَإِذَا كَانَتْ سَنَةً فَانْجُوا، وَعَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّمَا يَطْوِيهَا اللَّهُ» "، أَيْ: لَا يَطْوِي الْأَرْضَ لِلْمُسَافِرِ فِيهَا لَيْلًا إِلَّا اللَّهُ إِكْرَامًا لِلْمُسَافِرِ، حَيْثُ أَتَى بِهَذَا الْأَدَبِ الشَّرْعِيِّ.
( «وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ» ) ، أَيِ: النُّزُولَ أَخِرَ اللَّيْلِ لِنَحْوِ نَوْمٍ (عَلَى الطَّرِيقِ) ، وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ عَلَى: جَوَادِّ الطَّرِيقِ، وَالصَّلَاةَ عَلَيْهَا، بِشَدِّ الدَّالِّ جَمْعُ جَادَّةٍ، أَيْ: مُعْظَمِ الطَّرِيقِ، وَالْمُرَادُ: نَفْسُهَا، ( «فَإِنَّهَا طَرِيقُ الدَّوَابِّ، وَمَأْوَى الْحَيَّاتِ» ) وَغَيْرِهَا، كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " «وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ» "، أَيْ: مَحَلُّ تَرَدُّدِهَا بِاللَّيْلِ لِتَأْكُلَ مَا فِيهَا مِنْ رِمَّةٍ، وَتَلْتَقِطُ مَا يَسْقُطُ مِنَ الْمَارَّةِ مِنْ نَحْوِ مَأْكُولٍ.
زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: " «وَقَضَاءَ الْحَاجَةِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا اللَّاعِنُ» "، وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ حَدِيثٌ، وَأَخْذٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا ذُكِرَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُسْنَدٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ أَحَادِيثُ شَتَّى مَحْفُوظَةٌ، انْتَهَى.
وَفِي مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدَبِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَبَادِرُوا بِهَا نَفْيَهَا، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute