بِالْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ بِالْأَلْفَاظِ الْقَلِيلَةِ، وَعَلَى مَدْحِ الْإِطْنَابِ فِي مَقَامِ الْخِطَابِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْبَيَانِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي، نَعَمْ، الْإِفْرَاطُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَذْمُومٌ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَابْنُ التِّينِ: الْبَيَانُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مَا يَقَعُ بِهِ الْإِبَانَةُ عَنِ الْمُرَادِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَالْآخَرُ مَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةُ تَحْسِينِ اللَّفْظِ بِحَيْثُ يَرُوقُ لِلسَّامِعِينَ، وَيَسْتَمِيلُ قُلُوبَهُمْ، وَهَذَا الَّذِي يُشَبَّهُ بِالسِّحْرِ ; لِأَنَّهُ صَرَفَ الشَّيْءَ عَنْ حَقِيقَتِهِ، رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَاجَةً كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِسْعَافُهُ بِهَا، فَاسْتَمَالَ قَلْبَهُ بِالْكَلَامِ، فَأَنْجَزَهَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ السِّحْرُ الْحَلَالُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ سَارَ هَذَا الْحَدِيثُ سَيْرَ الْمَثَلِ فِي النَّاسِ، إِذَا سَمِعُوا كَلَامًا يُعْجِبُهُمْ قَالُوا: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، وَرُبَّمَا قَالُوا: السِّحْرُ الْحَلَالُ، وَمِنْهُمْ أَخَذَ الْقَائِلُ:
وَحَدِيثُهَا السِّحْرُ الْحَلَالُ لَوْ أَنَّهُ ... لَمْ يَجْرِ قَتْلُ الْمُسْلِمِ الْمُتَحَرِّزِ
إِنْ طَالَ لَمْ يُمْلِلْ وَإِنْ هِيَ أَوْجَزَتْ ... وَدَّ الْمُحَدَّثُ أَنَّهَا لَمْ تُوجِزِ
شَرَكُ الْعُقُولِ وَنُزْهَةٌ مَا مِثْلُهَا ... السَّامِعِينَ وَغَفْلَةُ الْمُسْتَوْفِزِ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطِّبِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ مَوْصُولًا، وَتَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْبِرِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute