مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَيْنِ وَلَجَ) ، أَيْ دَخَلَ (الْجَنَّةَ) » مَعَ السَّابِقِينَ، أَوْ بِغَيْرِ عَذَابٍ، (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تُخْبِرْنَا) ، كَذَا لِيَحْيَى، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَغَيْرِهِمَا بِلَفْظِ النَّهْيِ، قَالَ الْبَاجِيُّ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: خَشِيَ إِذَا أَخْبَرَهُمْ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْهِمُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهَا، وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: أَلَا تُخْبِرُنَا؟ بِلَفْظِ الْعَرْضِ (فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى) : مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ. . . . إِلَى آخِرِهِ.
(فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ) الْمَذْكُورُ: (لَا تُخْبِرْنَا) بِالْجَزْمِ نَهْيًا، وَالْقَعْنَبِيُّ: أَلَا تُخْبِرُنَا (يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ أَيْضًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا تُخْبِرْنَا) نَهْيًا أَوْ عَرْضًا (يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، ثُمَّ ذَهَبَ الرَّجُلُ يَقُولُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا قَالَ يَحْيَى: لَا تُخْبِرْنَا عَلَى لَفْظِ النَّهْيِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَعَادَ الْكَلَامَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَتَابَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَلَى لَفْظِ: لَا تُخْبِرْنَا عَلَى النَّهْيِ إِلَّا أَنَّ إِعَادَةَ الْكَلَامِ عِنْدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: أَلَا تُخْبِرُنَا عَلَى لَفْظِ الْعَرْضِ، وَالْقِصَّةُ مُعَادَةٌ عِنْدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَيْضًا، وَكُلُّهُمْ قَالَ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، (فَأَسْكَتَهُ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ) تَفْوِيضًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يُرِيدُ مِنَ الْإِخْبَارِ وَتَرْكِهِ.
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَيْنِ وَلَجَ) ، أَيْ دَخَلَ (الْجَنَّةَ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ) ، بِفَتْحِ اللَّامِ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ مُثَنًّى، هُمَا الْعَظْمَانِ فِي جَانِبِ الْفَمِ، وَمَا بَيْنَهُمَا هُوَ اللِّسَانُ، (وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ) فَرْجُهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ اسْتِهْجَانًا لَهُ، وَاسْتِحْيَاءً ; لِأَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْبِكْرِ فِي خِدْرِهَا، (مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ) ، ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ لِلتَّأْكِيدِ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: الْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ: الْفَمُ بِتَمَامِهِ فَتَنَاوَلَ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا، وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، وَسَائِرَ مَا يَتَأَتَّى بِالْفَمِ، أَيْ مِنَ النُّطْقِ وَالْفِعْلِ كَتَقْبِيلٍ وَعَضٍّ وَشَتْمٍ، قَالَ: وَمَنْ يَحْفَظُ مِنْ ذَلِكَ أَمِنَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا السَّمْعُ وَالْبَصَرُ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَخَفَى عَلَيْهِ أَنَّهُ بَقِيَ الْبَطْشُ بِالْيَدَيْنِ، وَإِنَّمَا مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ النُّطْقَ بِاللِّسَانِ أَصْلٌ فِي حُصُولِ كُلِّ مَطْلُوبٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إِلَّا فِي خَيْرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute