كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنَّ الَّذِي يُخَلِّفُهُ مِنْ غَيْرِهِمَا لَا يُقْسَمُ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، بَلْ يُقْسَمُ مَنَافِعُهُ لِمَنْ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ، ( «مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي» ) وَيَدْخُلُ فِيهِ كِسَوْتُهُنَّ، وَسَائِرُ اللَّوَازِمِ كَالْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ عَنِ الزَّوَاجِ بِسَبَبِهِ، أَوْ لِعِظَمِ حُقُوقِهِنَّ لِفَضْلِهِنَّ، وَقِدَمِ هِجْرَتِهِنَّ وَكَوْنِهِنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِأَنَّهُنَّ كَمَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّاتِ: لِأَنَّهُنَّ لَا يَجُوزُ لَهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَبَدًا، فَجَرَتْ لَهُنَّ النَّفَقَةُ، وَتُرِكَتْ حُجَرُهُنَّ لَهُنَّ يَسْكُنَّهَا.
(وَمُؤْنَةِ عَامِلِي) ، قِيلَ: هُوَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: الْعَامِلُ عَلَى النَّخْلِ، وَبِهِ جَزَمَ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ بَطَّالٍ، وَأَبْعَدُ مَنْ قَالَ هُوَ حَافِرُ قَبْرِهِ، وَقِيلَ: خَادِمُهُ وَقِيلَ: عَامَلُ الصَّدَقَةِ، وَقِيلَ: الْعَامِلُ فِيهَا كَالْأَجِيرِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أُجْرَةِ الْقَاسِمِ، قَالَهُ الْحَافِظُ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْمُرَادُ كُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ خَلِيفَةٍ، أَوْ غَيْرِهِ، قَامَ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِشَرِيعَتِهِ فَهُوَ عَامِلٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا بُدَّ أَنْ يُكْفَى مُؤْنَتَهُ، وَإِلَّا ضَاعَ.
(فَهُوَ) ، أَيِ الْمَتْرُوكُ بَعْدَمَا ذُكِرَ (صَدَقَةٌ) ، مَعْنَى لِأَنِّي لَا أُورَثُ، أَوْ لَا أُخَلِّفُ مَالًا، فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ النِّسَاءِ بِالنَّفَقَةِ، وَالْمُؤْنَةِ لِلْعَامِلِ، وَهَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ؟ أَجَابَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ، كَمَا فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي اللُّغَةِ: الْقِيَامُ بِالْكِفَايَةِ، وَالْإِنْفَاقُ بَدَلَ الْقُوتِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَقَةَ دُونَ الْمُؤْنَةِ، وَالسِّرُّ فِي التَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، كَانَ لَا بُدَّ لَهُنَّ مِنَ الْقُوتِ، فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَالْعَامِلُ لَمَّا كَانَ فِي صُورَةِ الْأَجِيرِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى مَا يَكْفِيهِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عُرْوَةَ: فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاسًا، فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا، أَيْ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَتَحْصِيلِ غَلَّاتِهَا لَا بِتَخْصِيصِ الْحَاصِلِ لِنَفْسِهِ، قَالَ: ثُمَّ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، وَحَسَنِ بْنِ حَسَنٍ كِلَاهُمَا كَانَا يَتَدَاوَلَانِهَا، ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ، وَهِيَ صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقًّا.
زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: ثُمَّ كَانَتْ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، حَتَّى وَلَّى هَؤُلَاءِ ; يَعْنِي بَنِي الْعَبَّاسِ، فَقَبَضُوهَا.
وَزَادَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: أَنَّ إِعْرَاضَ الْعَبَّاسِ عَنْهَا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ شُعْبَةَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الْمَدَنِيَّ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ مَكَثَتْ فِي عَهْدِهِ يُوَلِّي عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِهِ مَنْ يَقْبِضُهَا، وَيُفَرِّقُهَا فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ، ثُمَّ تَغَيَّرَتِ الْأُمُورُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَصَايَا، وَالْخَمْسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الْفَرَائِضِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي عَنْ يَحْيَى، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْخَرَاجِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute