سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ (الْأَشْهَلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ) الْأَوْسِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ (عَنْ جَدَّتِهِ) يُقَالُ: اسْمُهَا حَوَّاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ صَحَابِيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ، (أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ) ، رُوِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُنَادًى مُفْرَدٌ الْمُؤْمِنَاتِ صِفَةٌ لَهُ، فَيُرْفَعُ عَلَى اللَّفْظِ، وَيُنْصَبُ بِالْكَسْرَةِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُنَادًى مُفْرِدٌ مُضَافٌ، وَ " الْمُؤْمِنَاتِ " صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ نِسَاءَ النُّفُوسِ، أَوِ الطَّائِفَةِ الْمُؤْمِنَاتِ، فَخَرَجَ عَنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنَّهَا مِنْهَا بِتَأْوِيلِ نِسَاءٍ بِفَاضِلَاتٍ، أَيْ فَاضِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رِوَايَةَ الْإِضَافَةِ، وَرَدَّهُ ابْنُ السَّيِّدِ بِأَنَّهَا قَدْ صَحَّتْ نَقْلًا، وَسَاعَدَتْهَا اللُّغَةُ، فَلَا مَعْنَى لِلْإِنْكَارِ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: «يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ (لَا تُحْقِرَنَّ إِحْدَاكُنَّ أَنْ تُهْدِيَ لِجَارَتِهَا) شَيْئًا (وَلَوْ) كَانَ (كُرَاعَ شَاةٍ) » - بِضَمِّ الْكَافِ - مَا دُونُ الْعَقِبِ، وَخَصَّ النِّسَاءَ لِأَنَّهُنَّ مَوَادُّ الْمَوَدَّةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَلِأَنَّهُنَّ أَسْرَعُ انْتِقَالًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، (مُحْرَقًا) نَعْتٌ لِـ " كُرَاعَ "، وَهُوَ مُؤَنَّثٌ فَحَقُّهُ مُحْرَقَةً، لَكِنْ وَرَدَتِ الرِّوَايَةُ هَكَذَا فِي الْمُوَطَّآتِ وَغَيْرِهَا، وَقَلَّ أَنْ تُعَرِّضَ الْعَرَبُ بِذِكْرِهِ، فَلَعَلَّ الرِّوَايَةَ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ نَهْيٌ لِلْمُهْدَى إِلَيْهَا، قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَمَرَّ هَذَا الْحَدِيثُ سَنَدُهُ وَمَتْنُهُ فِي جَامِعِ مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الطَّعَامَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُطْعَمُ، وَإِنْ قَلَّ، وَأَعَادَهُ هُنَا إِلَى التَّرْغِيبِ فِي الصَّدَقَةِ، وَإِنْ قَلَّتْ، وَالنَّهْيُ عَنِ احْتِقَارِهَا فَلَا تَكْرَارَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِي ذِكْرِ الْقَلِيلِ تَنْبِيهٌ عَلَى فَضْلِ الْكَثِيرِ لِمَنْ فَهِمَ مَعْنَى الْخِطَابِ، وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:
افْعَلِ الْخَيْرَ مَا اسْتَطَعْتَ وَإِنْ ... كَانَ قَلِيلًا، فَلَنْ تُطِيقَ لِكُلِّهِ.
وَمَتَى تَفْعَلُ الْكَثِيرَ مِنَ الْخَيْرِ
إِذَا كُنْتَ تَارِكًا لِأَقَلِّهِ
وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقِ:
لَوْ قَدْ رَأَيْتَ الصَّغِيرَ مَنْ عَمِلَ الْـ ... ـخَيْرِ ثَوَابًا عَجِبْتَ مِنْ كِبَرِهِ
أَوْ قَدْ رَأَيْتَ الْحَقِيرَ مِنْ عَمَلِ ... الشَّرِّ جَزَاءً شَفَقْتَ مِنْ شَرِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute