زَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: " «فَخُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ» "، أَيِ اقْبَلْهُ، وَأَدْخِلْهُ فِي مِلْكِكَ وَمَالِكَ.
(فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَا) - بِالْفَتْحِ، وَخِفَّةِ الْمِيمِ - ( «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا، وَلَا يَأْتِينِي شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إِلَّا أَخَذْتُهُ» ) اتِّبَاعًا لِلْأَمْرِ النَّبَوِيِّ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَفِيهِ أَنَّ رَدَّ عَطِيَّةِ الْإِمَامِ لَيْسَ مِنَ الْأَدَبِ، وَلَا سِيَّمَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: ٧] (سورة الْحَشْرِ: الْآيَةُ ٧) ، وَإِنَّمَا رَدَّهَا عُمَرُ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي أَزَالَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَحَبٌّ، وَاخْتُلِفَ فِي إِعْطَاءِ غَيْرِهِ دُونَ مَسْأَلَةٍ، وَالْمُعْطَى مَنْ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ، فَقِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ أَيْضًا كَانَ الْمُعْطِي سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، يَعْنِي بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي قَوْلِهِ لِعُمَرَ: إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُسْرِفٍ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِالسُّلْطَانِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي السُّنَنِ: " «إِلَّا أَنْ تَسْأَلَهُ ذَا سُلْطَانٍ» "، قَالَ: وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ لَا مِنْهُ فَحَرَامٌ، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْبَلُ عَطِيَّةَ السُّلْطَانِ، وَبَعْضُهُمْ يَكْرَهُ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَطِيَّةِ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ، وَالْكَرَاهَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوَرَعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ تَصَرُّفِ السَّلَفِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ عُلِمَ حِلُّ مَالِهِ لَا يُرَدُّ عَطِيَّتُهُ، أَوْ حُرْمَتُهُ فَيَحْرُمُ عَطِيَّتُهُ، وَمَنْ شَكَّ فِيهَا فَالِاحْتِيَاطُ رَدُّهُ، وَهُوَ الْوَرَعُ وَمَنْ أَبَاحَهُ أَخَذَ بِالْأَصْلِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: احْتَجَّ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْيَهُودِ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: ٤٢] (سورة الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ٤٢) ، وَقَدْ رَهَنَ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَمْوَالِهِمْ ثَمَنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute