(فَيَحْتَطِبَ) - بِكَسْرِ الطَّاءِ - أَيْ يَجْمَعَ الْحَطَبَ (عَلَى ظَهْرِهِ) ، وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " «فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ» "، وَذَلِكَ مُرَادٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْحَافِظُ، عَلَى أَنَّ فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَيَجْعَلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا» "، وَلَهُ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَيَحْطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ، وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنِ النَّاسِ» "، (خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا) ، وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ: " «مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ» "، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ (أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، صِفَةُ " رَجُلٍ " (فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ) ، لِحَمْلِهِ ثِقَلَ الْمِنَّةِ مَعَ ذُلِّ السُّؤَالِ، (أَوْ مَنَعَهُ) ، فَاكْتَسَبَ الذُّلَّ، وَالْخَيْبَةَ وَالْحِرْمَانَ، وَخَيْرٌ لَيْسَتْ بِمَعْنَى أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ، بَلْ هِيَ هُنَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: ٢٤] (سورة الْفُرْقَانِ: الْآيَةُ ٢٤) ، إِذْ لَا خَيْرَ فِي السُّؤَالِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِحَسَبِ اعْتِقَادِ السَّائِلِ تَسْمِيَةَ مَا يُعْطَاهُ خَيْرًا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ شَرٌّ، وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْهَا، وَلَوِ امْتَهَنَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ.
وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ: " مَكْسِبَةٌ فِيهَا بَعْضُ الدَّنَاءَةِ خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ "، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَوْلَا قُبْحُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، لَمْ يُفَضِّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّائِلِ مِنْ ذُلِّ السُّؤَالِ، وَمِنَ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يُعْطَ، وَلِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَسْئُولِ مِنَ الضِّيقِ فِي مَالِهِ إِنْ أَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ، وَفِيهِ فَضْلُ الِاكْتِسَابِ بِعَمَلِ الْيَدِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute