للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَسْأَلَهُ، ( «فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ: لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ» ) ، لِعَدَمِ الْعَطَاءِ، (وَهُوَ يَقُولُ: لَعَمْرِي) ، أَيْ حَيَاتِي، (إِنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْتَ) ، وَلَعَلَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مِنْ أَجْلَافِ الْعَرَبِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ مُنَافِقًا عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّهُ لَيَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ» ) ، مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْغَضَبَ بِوَجْهٍ، ( «مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ» ) ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَشَدِّ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، (أَوْ عَدْلُهَا) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهَا مِنْ غَيْرِ الْفِضَّةِ، (فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا) ، أَيْ إِلْحَاحًا، وَهُوَ أَنْ يُلَازِمَ الْمَسْئُولَ حَتَّى يُعْطِيَهُ، يُقَالُ: لَحَفَنِي مِنْ فَضْلِ لِحَافِهِ، أَيْ أَعْطَانِي مِنْ فَضْلِ مَا عِنْدَهُ، فَخَالَفَ ثَنَاءَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٧٣) ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ، وَإِنْ سَأَلُوا عَنْ ضَرُورَةٍ لَمْ يُلِحُّوا، وَقِيلَ هُوَ نَفْيُ السُّؤَالِ وَالْإِلْحَاحِ مَعًا كَقَوْلِهِ: عَلَى لَاحِبٍ لَا يَهْتَدِي لِمَنَارِهِ.

فَمُرَادُهُ نَفْيُ الْمَنَارِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ نَفْيَ السُّؤَالِ وَالْإِلْحَاحِ أَدْخَلُ فِي التَّعَفُّفِ.

(قَالَ الْأَسَدِيُّ: فَقُلْتُ) عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ، (لَلِقْحَةٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى ابْتِدَائِيَّةٌ، أَوْ جَوَابُ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ، وَكَسْرِ اللَّامِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ تُفْتَحُ، وَسُكُونِ الْقَافِ، أَيْ نَاقَةٌ (لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ) بِالْأَلْفِ قَالَ: (وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنَ الْوِقَايَةِ ; لِأَنَّ الْمَالَ مَخْزُونٌ مَصُونٌ، أَوْ لِأَنَّهُ يَقِي الشَّخْصَ مِنَ الضَّرُورَةِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي السُّؤَالِ دُونَ الْأَخْذِ، فَتَحِلُّ لِمَنْ لَهُ خَمْسُ أَوَاقٍ، وَإِنْ كَانَ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا إِذَا كَانَ ذَا عِيَالٍ.

وَفِي التِّرْمِذِيَّ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ، وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ» "، وَفِي إِسْنَادِهِ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ رَفَعَهُ: " «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ فَقَالُوا: وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» "، (قَالَ) الْأَسَدِيُّ: (فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ) يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ فَهْمِهِ ; لِأَنَّهُ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ.

(فَقُدِمَ) - بِضَمِّ الْقَافِ، وَكَسْرِ الدَّالِّ - (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ بِشَعِيرٍ وَزَبِيبٍ فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَسَمَهُ كُلَّهُ وَأَعْطَاهُمْ بَعْضَهُ، (حَتَّى أَغْنَانَا اللَّهُ) ; لِأَنَّ مَنْ يَسْتَغْنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>