وَعَنْ مَالِك عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ عَبْدٌ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي أَيُرْفَعُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا
ــ
١٨٨٥ - ١٨٣٨ - (مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ابْنِ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيِّ، ثِقَةٌ صَدُوقٌ، (أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» ) ، بَلْ يَزِيدُ اللَّهُ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَ فَلَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْأَجْرِ مَا يَجْبُرُ ذَلِكَ النَّقْصَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ الْأَمْرَانِ، قَالَهُ عِيَاضٌ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ " مِنْ " زَائِدَةٌ، أَيْ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مَالًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا صِلَةٌ لِـ " نَقَصَتْ "، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ، أَيْ مَا نَقَصَتْ شَيْئًا مِنْ مَالٍ، بَلْ يَزِيدُ فِي الدُّنْيَا بِالْبَرَكَةِ فِيهِ، وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُ وَالْإِخْلَافِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَجْدَى، وَأَنْفَعُ، وَأَكْثَرُ، وَأَطْيَبُ، وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، أَوْ فِي الْآخِرَةِ بِإِجْزَالِ الْأَجْرِ وَتَضْعِيفِهِ، أَوْ فِيهِمَا وَذَلِكَ جَائِزٌ لِإِضْعَافِ ذَلِكَ النَّقْصِ، بَلْ وَقَعَ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ مِنْ مَالِهِ، فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ نَقْصًا، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ مِنْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ، فَوَزَنَهَا فَلَمْ تَنْقُصْ قَالَ: وَأَنَا وَقَعَ لِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُ الْكَلَابَاذِيِّ يُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الْفَرْضُ، وَبِإِخْرَاجِهَا مَا لَمْ يَنْقُصْ مَالُهُ لِكَوْنِهَا دَيْنًا - فِيهِ بُعْدٌ لَا يَخْفَى.
(وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ) ، أَيْ تَجَاوُزٍ عَنْ الِانْتِصَارِ (إِلَّا عِزًّا) ، أَيْ رِفْعَةً فِي الدُّنْيَا فَمَنْ عُرِفَ بِالصَّفْحِ سَادَ وَعَظُمَ فِي الْقُلُوبِ، فَيَزِيدُ عِزَّةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِأَنْ يَعْظُمَ ثَوَابُهُ، أَوْ فِيهِمَا قَالَهُ عِيَاضٌ.
(وَمَا تَوَاضَعَ عَبْدٌ) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رَقَا عُبُودِيَّةً لِلَّهِ فِي الِائْتِمَارِ بِأَمْرِهِ، وَالِانْتِهَاءِ عَنْ نَهْيِهِ، وَمُشَاهَدَتِهِ لِحَقَارَةِ نَفْسِهِ، وَنَفْيِ الْعُجْبِ عَنْهَا، فَفِي لَفْظِ " عَبْدٌ " إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُهُ، وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ (إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) ، فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُثَبِّتَ لَهُ فِي الْقُلُوبِ الْمُحِبَّةَ وَالْمَكَانَةَ، أَوْ فِي الْآخِرَةِ بِأَنْ يُنِيلَهُ الرِّفْعَةَ فِيهَا لِتَوَاضُعِهِ فِي الدُّنْيَا، أَوْ فِيهِمَا، وَقَدْ ظَهَرَ صِدْقُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ كُلَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَفِي هَذَا كُلِّهِ رَدُّ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الصَّبْرُ وَالْحُلْمُ الذُّلُّ، وَمَنْ قَالَهُ مِنَ الْأَجِلَّةِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ يُشْبِهُهُ فِي الِاحْتِمَالِ وَعَدَمِ الِانْتِصَارِ، قَالَهُ عِيَاضٌ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: التَّوَاضُعُ انْكِسَارٌ، وَالتَّذَلُّلُ ضِدُّ التَّكَبُّرِ، فَالتَّوَاضُعُ إِنْ كَانَ لِلَّهِ، أَوْ لِرَسُولِهِ، أَوْ لِلْحَاكِمِ، أَوْ لِلْعَالِمِ، فَهَذَا وَاجِبٌ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ فِي الدَّارَيْنِ، وَأَمَّا لِسَائِرِ الْخَلْقِ فَإِنْ قُصِدَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute