للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ» ) وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْتَكِفٌ فِي قُبَّةٍ عَلَى بَابِهَا حَصِيرٌ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ عُصَبًا عُصَبًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

( «وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ» ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مُنَاجَاةُ الْمُصَلِّي رَبَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إِحْضَارِ الْقَلْبِ وَالْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: هِيَ إِخْلَاصُ الْقَلْبِ وَتَفْرِيغُ السِّرِّ بِذِكْرِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مُنَاجَاةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مَا يَقَعُ مِنْهُ مِنَ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَتَرْكُ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَمُنَاجَاةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ إِقْبَالُهُ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَمَا يَفْتَحُهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْأَسْرَارِ، وَفِيهِ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ تَنْبِيهٌ عَلَى مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْمَقْصُودِ بِهَا؛ لِيَكْثُرَ الِاحْتِرَازُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ الْمُدْخَلَةِ لِلنَّقْصِ فِيهَا، وَالْإِقْبَالُ عَلَى أُمُورِ الطَّاعَةِ الْمُتَمِّمَةِ لَهَا.

( «فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ» ) أَرَادَ بِهِ التَّحْذِيرَ مِنْ أَنْ يُنَاجِيَهُ بِالْقُرْآنِ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ طَاعَةً وَقُرْبَةً.

( «وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» ) لِأَنَّ فِيهِ أَذًى وَمَنْعًا مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَتَفْرِيغَ السِّرِّ لَهَا وَتَأَمُّلَ مَا يُنَاجِي بِهِ رَبَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِذَا مُنِعُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ حِينَئِذٍ لِأَذَى الْمُصَلِّينَ، فَبِغَيْرِهِ مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ أَوْلَى انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَإِذَا نُهِيَ الْمُسْلِمُ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ فِي عَمَلِ الْبِرِّ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فَإِيذَاؤُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا، وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ: «اعْتَكَفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: " أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» .

وَقَالَ فِي الصَّلَاةِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ الْبَيَاضِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ ثَابِتَانِ صَحِيحَانِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " «نُهِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا يُغَلِّطُ أَصْحَابَهُ، وَهُمْ يُصَلُّونَ» " قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَكَثِيرًا مَا يُسْأَلُ عَمَّا اشْتَهَرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مَا أَنْصَفَ الْقَارِئُ الْمُصَلِّيَ، وَلَا أَصْلَ لَهُ، وَلَكِنْ هَذِهِ أُصُولُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>