حُمَيْدٌ مِنْ أَنَسٍ إِلَّا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ حَدِيثًا، وَالْبَاقِي سَمِعَهَا مِنْ ثَابِتٍ أَوْ ثَبَّتَهُ فِيهَا، وَعَابَهُ زَائِدَةٌ لِدُخُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْخُلَفَاءِ، وَجُمْلَةُ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ سَبْعَةُ أَحَادِيثَ، مَاتَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَيُقَالُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، وَيُقَالُ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَلُقِّبَ (الطَّوِيلِ) قِيلَ لِطُولِ يَدَيْهِ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: رَأَيْتُهُ وَلَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ، وَلَكِنْ كَانَ لَهُ جَارٌ يُعْرَفُ بِحُمَيْدٍ الْقَصِيرِ، فَقِيلَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ لِيُعْرَفَ مِنَ الْآخَرِ.
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ) قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ وَقَفْتُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، الْقِيَامَ الْمُعْتَادَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى رِجْلَيْهِ جَمِيعًا فَيَقْرِنُهُمَا وَلَا يُحَرِّكُهُمَا (فَكُلُّهُمْ كَانَ لَا يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاتِهِ، فِيمَا عَلِمْتُ مَوْقُوفًا وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَمُوسَى بْنُ طَارِقٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ» " إِلَى آخِرِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْفُوظٍ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» " وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدِهِمْ مِنَ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ فِي رَفْعِهِ ذَلِكَ عَنْ عَمِّهِ عَنْ مَالِكٍ، وَالصَّوَابُ عَنْهُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ خَاصَّةً، وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي نُكَتِهِ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ حُمَيْدًا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَنَسٍ وَقَتَادَةَ إِلَّا أَنَّهُ سَمِعَ الْمَوْقُوفَ مِنْ أَنَسٍ، وَمِنْ قَتَادَةَ عَنْهُ الْمَرْفُوعَ، قَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ: فَكَانَ حُمَيْدٌ إِذَا قَالَ عَنْ أَنَسٍ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَإِذَا قَالَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ رَفَعَهُ انْتَهَى.
وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَأَيْتُ أَنَّ طَائِفَةً رَوَتْهُ عَنْ مَالِكٍ، فَرَفَعَتْهُ بِدُونِ ذِكْرِ قَتَادَةَ لِقَوْلِ أَبِي عُمَرَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ.
نَعَمْ يَرُدُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَالْعُمَرِيِّ لَهُ بِدُونِ ذِكْرِ قَتَادَةَ، فَإِنَّ أَبَا عُمَرَ لَمْ يُعَلِّلْهَا لَكِنَّ قَدْ أَعَلَّهَا غَيْرُهُ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ ثَابِتٌ وَقَتَادَةُ وَحُمَيْدٌ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، كُلُّهُمْ ذَكَرَ فِيهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمْ فِي لَفْظِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا مُضْطَرِبًا مُتَدَافِعًا، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: «كَانُوا لَا يَقْرَؤُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِهَا.
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: كَانُوا يَجْهَرُونَ.
وَبَعْضُهُمْ قَالَ: كَانُوا لَا يَتْرُكُونَهَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا اضْطِرَابٌ لَا تَقُومُ مَعَهُ حُجَّةٌ لِأَحَدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ.
قَالَ الْحَافِظُ: طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ حَمْلُ نَفْيِ الْقِرَاءَةِ عَلَى نَفْيِ السَّمَاعِ، وَنَفْيِ السَّمَاعِ عَلَى نَفْيِ الْجَهْرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ: كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِالْحَمْدُ، وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْحِكَايَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْرَؤُوا الْبَسْمَلَةَ سِرًّا.