الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ» " فَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ يَقْتَضِي حَمْلَ أَمَّنَ عَلَى الْمَجَازِ (فَأَمِّنُوا) أَيْ قُولُوا آمِينَ (فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ) وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَيُونُسَ فِي مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ ( «تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ» ) فِي الْقَوْلِ وَالزَّمَانِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ الْمَذْكُورَةُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: الْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي الْإِخْلَاصِ وَالْخُشُوعِ كَابْنِ حِبَّانَ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: يُرِيدُ مُوَافَقَةَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْإِخْلَاصِ بِغَيْرِ إِعْجَابٍ، وَكَذَا جَنَحَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ فَقَالَ: وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ، أَوْ فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ أَوْ فِي الدُّعَاءِ بِالطَّاعَةِ خَاصَّةً، أَوِ الْمُرَادُ بِتَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الْحِكْمَةُ فِي إِيثَارِ الْمُوَافَقَةِ فِي الْقَوْلِ وَالزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَمِّنُ عَلَى يَقَظَةٍ لِلْإِتْيَانِ بِالْوَظِيفَةِ فِي مَحَلِّهَا، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا غَفْلَةَ عِنْدِهِمْ فَمَنْ وَافَقَهُمْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا، ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ وَقِيلَ الْحَفَظَةُ مِنْهُمْ، وَقِيلَ الَّذِينَ يَتَعَاقَبُونَ مِنْهُمْ إِذَا قُلْنَا إِنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ يَشْهَدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ لِلْحَدِيثِ الْآتِي، وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَوَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صُفُوفُ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى صُفُوفِ أَهْلِ السَّمَاءِ، فَإِذَا وَافَقَ آمِينَ فِي الْأَرْضِ آمِينَ فِي السَّمَاءِ غُفِرَ لِلْعَبْدِ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ.
(غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: ظَاهِرُهُ غُفْرَانُ جَمِيعِ ذُنُوبِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الصَّغَائِرِ، قَالَ: وَوَقَعَ فِي أَمَالِي الْجُرْجَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ، عَنْ بَحْرِ بْنِ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ وَمَا تَأَخَّرَ وَهِيَ زِيَادَةٌ شَاذَّةٌ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقى عَنْ بَحْرِ بْنِ نَصْرٍ بِدُونِهَا، وَكَذَا مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ وَيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِدُونِهَا، وَكَذَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا أَنِّي وَجَدْتُهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِإِثْبَاتِهَا، وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَوَاهُ فِي مَسْنَدِهِ وَمُصَنَّفِهِ بِدُونِهَا، وَكَذَا حُفَّاظُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرِهِمَا اهـ.
(قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ آمِينَ» ) هَذَا مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْمَدَنِيُّ، عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ وَالْعِلَلِ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُتَابَعْ حَفْصٌ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: " «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ جَهَرَ بِآمِينَ» " أَخْرَجَهُ ابْنُ السَّرَّاجِ.
وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: " «فَإِذَا فَرَغَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ آمِينَ» " وَلِلْحَمِيدِيِّ مِنْ طَرِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute