للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهَا الْعَصْرُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ مِنَ الرُّوَاةِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ بَلْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ الشَّكَّ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ» ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَلَكِنْ نَسِيتُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى الْحَدِيثَ كَثِيرًا عَلَى الشَّكِّ، وَكَانَ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الظُّهْرُ، فَجَزَمَ بِهَا، وَتَارَةً غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الْعَصْرُ فَجَزَمَ بِهِ، وَطَرَأَ الشَّكُّ فِي تَعْيِينِهَا أَيْضًا عَلَى ابْنِ سِيرِينَ وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ الِاهْتِمَامَ بِمَا فِي الْقِصَّةِ مِنَ الْأَحْكَامِ اهـ.

وَكَذَا قَالَ الْوَلِيُّ بْنُ الْعِرَاقِيِّ: الصَّوَابُ أَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ وَأَنَّ الشَّكَّ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِرِوَايَةِ النَّسَائِيِّ الْمَذْكُورَةِ، وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَأَنَّ الشَّكَّ طَرَأَ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا.

( «فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ» ) الْخِرْبَاقُ السُّلَمِيُّ بِضَمِّ السِّينِ (فَقَالَ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ، أَيْ صَارَتْ قَصِيرَةً وَفِي رِوَايَةٍ: بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيْ أَقَصَرَهَا اللَّهُ وَالْأُولَى أَكْثَرُ وَأَرْجَحُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟» ) وَلَمْ يَهَبِ السُّؤَالَ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ حِرْصُهُ عَلَى تَعَلُّمِ الدِّينِ، فَاسْتَصْحَبَ حُكْمَ الْإِتْمَامِ، وَأَنَّ الْوَقْتَ قَابِلٌ لِلنَّسْخِ وَبَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ تَرَدَّدُوا بَيْنَ اسْتِصْحَابِ وَتَجْوِيزِ النَّسْخِ فَسَكَتُوا، وَهَابَ الشَّيْخَانِ أَنْ يُكَلِّمَاهُ لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِمَا احْتِرَامُهُ وَتَعْظِيمُهُ مَعَ عِلْمِهِمَا أَنَّهُ يُبَيِّنُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالسَّرَعَانُ بَنَوْا عَلَى النَّسْخِ فَخَرَجُوا يَقُولُونَ قَصُرَتِ الصَّلَاةُ ( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ» ) أَيْ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ كَمَا فِي أَكْثَرِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ أَصْحَابِ الْمَعَانِي: لَفْظُ كُلٍّ إِذَا تَقَدَّمَ عَلَى النَّفْيِ كَانَ نَافِيًا لِكُلِّ فَرْدٍ لَا لِلْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَقْوِيَةِ الْحُكْمِ فَيُفِيدُ التَّأْكِيدَ فِي الْمُسْنَدِ وَالْمَسْنَدِ إِلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بَلْ كَانَ بَعْضُهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَأَخَّرَ، كَمَا لَوْ قِيلَ لَمْ يَكُنْ كُلُّ ذَلِكَ إِذْ لَا تَأْكِيدَ فِيهِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ بَلْ كَانَ بَعْضُهُ؛ وَلِذَا أَجَابَهُ ذُو الْيَدَيْنِ ( «فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ) وَأَجَابَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ: " «بَلَى قَدْ نَسِيتَ» " لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ مُقَرَّرًا عِنْدَ الصَّحَابِيِّ أَنَّ السَّهْوَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ الْبَلَاغِيَّةِ جَزَمَ بِوُقُوعِ النِّسْيَانِ لَا الْقَصْرِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ السَّهْوُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّشْرِيعُ، وَإِنْ كَانَ عِيَاضٌ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ دُخُولِ السَّهْوِ فِي الْأَقْوَالِ التَّبْلِيغِيَّةِ وَخَصَّ الْخِلَافَ بِالْأَفْعَالِ لَكِنَّهُمْ تَعَقَّبُوهُ، نَعَمِ اتَّفَقَ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بَلْ يَقَعُ لَهُ بَيَانُ ذَلِكَ إِمَّا مُتَّصِلًا بِالْفِعْلِ كَمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَإِمَّا غَيْرَ مُتَّصِلٍ.

(فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ) الَّذِينَ صَلُّوا مَعَهُ ( «فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» ) فِيمَا قَالَ (فَقَالُوا: نَعَمْ) صَدَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>