وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ فَأَتَيْنَاهُ وَمَعَنَا رَبِيعَةُ فَحَدَّثَنَا بِنَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: انْظُرُوا كِتَابًا حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ مِنْهُ، أَرَأَيْتُمْ مَا حَدَّثْتُكُمْ أَمْسِ أَيُّ شَيْءٍ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ: هَاهُنَا مَنْ يُورِدُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثْتَ بِهِ أَمْسِ، قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: ابْنُ أَبِي عَامِرٍ، قَالَ: هَاتِ فَحَدَّثْتُهُ بِأَرْبَعِينَ حَدِيثًا مِنْهَا، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ بَقِيَ أَحَدٌ يَحْفَظُ هَذَا غَيْرِي.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مَالِكٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ. زَادَ ابْنُ مَعِينٍ: كَانَ مَالِكٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُجْمَعٌ عَلَى فَضْلِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا جَاءَ الْأَثَرُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ، وَإِذَا ذُكِرَ الْعُلَمَاءُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ الثَّاقِبُ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مَبْلَغَ مَالِكٍ فِي الْعِلْمِ لِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَصِيَانَتِهِ، وَمَا أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْ مَالِكٍ، وَجَعَلْتُ مَالِكًا حُجَّةً بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ، وَمَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ الْقَرِينَانِ لَوْلَاهُمَا لَذَهَبَ عِلْمُ الْحِجَازِ، وَالْعِلْمُ يَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةٍ: مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قُلْتُ لِأَبِي: مَنْ أَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ؟ قَالَ: مَالِكٌ أَثْبَتُ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْلَا مَالِكٌ وَاللَّيْثُ لَضَلَلْنَا.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا ذَكَرَ مَالِكًا قَالَ: عَالِمُ الْعُلَمَاءِ، وَعَالِمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمُفْتِي الْحَرَمَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَمَّا بَلَغَتْهُ وَفَاتُهُ: مَا تُرِكَ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُهُ. وَقَالَ: مَالِكٌ إِمَامٌ وَعَالِمُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَمَالِكٌ حُجَّةٌ فِي زَمَانِهِ، وَمَالِكٌ سِرَاجُ الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا كُنَّا نَتَّبِعُ آثَارَ مَالِكٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ عَلَى الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي الْعِلْمِ، وَقَالَ: هُوَ إِمَامٌ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ. وَسُئِلَ عَنْ مَنْ تُرِيدُ أَنْ تَكْتُبَ الْحَدِيثَ وَفِي رَأْيِ مَنْ تَنْظُرُ؟ فَقَالَ: حَدِيثُ مَالِكٍ وَرَأْيُ مَالِكٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي حَدِيثٍ: " «يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» " أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا؛ نَرَى أَنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: كَانُوا يَرَوْنَهُ، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: يَعْنِي سُفْيَانَ بِقَوْلِهِ: كَانُوا التَّابِعِينَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ نُظَرَائِهِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ سُفْيَانَ: كُنْتُ أَقُولُ هُوَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، حَتَّى قُلْتُ: كَانَ فِي زَمَانِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَسَالِمٌ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ أَصْبَحْتُ الْيَوْمَ أَقُولُ إِنَّهُ مَالِكٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَاشَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ نَظِيرٌ بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يُنَازِعُنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ؛ إِذْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute