للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَنْسَى فِي النَّوْمِ، فَأَضَافَ النِّسْيَانَ فِي الْيَقَظَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهَا حَالَةُ التَّحَرُّزِ فِي غَالِبِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَضَافَ النِّسْيَانَ فِي النَّوْمِ إِلَى غَيْرِهِ لَمَّا كَانَتْ حَالًا يَقِلُّ فِيهَا التَّحَرُّزُ وَلَا يُمْكِنُ فِيهَا مَا يُمْكِنُ فِي حَالِ الْيَقَظَةِ.

وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ إِنِّي لَأُنَسَّى عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ مِنَ النِّسْيَانِ مَعَ السَّهْوِ وَالذُّهُولِ عَنِ الْأَمْرِ، أَوْ أُنَسَّى مَعَ تَذَكُّرِ الْأَمْرِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالتَّفَرُّغِ لَهُ، فَأَضَافَ أَحَدَ النِّسْيَانَيْنِ إِلَى نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ كَالْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ، وَفِي الشِّفَاءِ لِعِيَاضٍ قِيلَ: هَذَا اللَّفْظُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَقَدْ رُوِيَ: إِنِّي لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ أَيْ بِلَا النَّافِيَةِ عِوَضَ لَامِ التَّأْكِيدِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ بَلْ قَدْ رُوِيَ لَسْتُ أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ اهـ.

فَهِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ تَرْجِعُ إِلَى ثِنْتَيْنِ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللُّغَةِ وَنَفْيِهِ عَنْهُ، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ مُوجِدًا لَهُ حَقِيقَةً، وَالْمُوجِدُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ اللَّهُ، كَمَا يُقَالُ: مَاتَ زَيْدٌ وَأَمَاتَهُ اللَّهُ، فَحَيْثُ أَثْبَتَ لَهُ النِّسْيَانَ أَرَادَ قِيَامَ صِفَتِهِ بِهِ وَحَيْثُ نَفَاهُ عَنْهُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِيجَادِهِ وَلَا مِنْ مُقْتَضَى طَبْعِهِ وَالْمُوجِدُ لَهُ هُوَ اللَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>