ابْنِ عَجْلَانَ الْعُصْفُورَ فِي حَدِيثِ سُمَيٍّ فَشَاذَّةٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ، لِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ سُمَيٍّ لَمْ يُذْكُرُوهَا، وَقَدْ تَعَسَّفُوا الْجَوَابَ عَنْ هَذَا بِمَا لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ مَالِكٍ التَّبْكِيرَ خِلَافُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " كَالْمُهْدِي جَزُورًا " وَكَالْمُهْدِي كَذَا مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: " «فَالْمُتَهَجِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ» " وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْهَاجِرَةِ وَالْهَجِيرِ وَذَلِكَ وَقْتُ النُّهُوضِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَ وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ هَاجِرَةٍ وَلَا هَجِيرٍ.
وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: إِنَّهُ تَحْرِيفٌ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ، وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ سَاعَاتٌ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَالشَّمْسُ إِنَّمَا تَزُولُ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَهُوَ وَقْتُ الْأَذَانِ وَخُرُوجِ الْإِمَامِ إِلَى الْخُطْبَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا سَاعَاتُ النَّهَارِ الْمَعْرُوفَةُ، فَبَدَأَ بِأَوَّلِهَا فَقَالَ: «مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً» ، ثُمَّ قَالَ فِي الْخَامِسَةِ بَيْضَةً فَشَرْحُ الْحَدِيثِ بَيِّنٌ فِي لَفْظِهِ وَلَكِنَّهُ حُرِّفَ عَنْ وَجْهِهِ وَشُرِحَ بِالْخَلْفِ مِنَ الْقَوْلِ وَبِمَا لَا يَكُونُ، وَزَهَّدَ شَارِحُهُ بِذَلِكَ النَّاسَ فِيمَا رَغَّبَهُمْ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَجْتَمِعُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا تَحَامُلٌ مِنْهُ عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ مَا أَنْكَرَهُ وَجَعَلَهُ تَحْرِيفًا فِي التَّأْوِيلِ وَخُلْفًا مِنَ الْقَوْلِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذَا فَقَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ سَاعَةً وَاحِدَةً تَكُونُ فِيهَا هَذِهِ السَّاعَاتُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَا صُلِّيَتِ الْجُمُعَةُ حَتَّى يَكُونَ تِسْعَ سَاعَاتٍ وَذَلِكَ وَقْتُ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَعَ مَا صَحِبَهُ مِنْ عَمَلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّ مَالِكًا كَانَ مُجَالِسًا لَهُمْ وَمُشَاهِدًا لِوَقْتِ خُرُوجِهِمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَوْ كَانُوا يَخْرُجُونَ إِلَيْهَا مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَا أَنْكَرَهُ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ، ثُمَّ رَوَى بِأَسَانِيدِهِ أَحَادِيثَ تَشْهَدُ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَأَطَالَ النَّفَسَ فِي ذَلِكَ، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute