بْنِ يَسَارٍ) بِتَحْتِيَّةٍ وَخِفَّةِ الْمُهْمَلَةِ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ (الْخُدْرِيِّ) صَحَابِيٌّ ابْنُ صَحَابِيٍّ، وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى رِوَايَتِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ صَفْوَانَ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَخَالَفَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ فَرَوَاهُ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ لَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مَعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَرَوَاهُ نَافِعٌ الْقَارِئُ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَهِمَ فِيهِ وَالصَّحِيحُ صَفْوَانُ عَنِ ابْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» ) ظَاهِرُ إِضَافَتِهِ لِلْيَوْمِ حُجَّةٌ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لَا لِلْجُمْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَذَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ الْغُسْلُ فِيهِ كَفَى لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا لِلْغُسْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنِ اللَّامَ لِلْعَهْدِ فَتَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ، (وَاجِبٌ) أَيْ مَسْنُونٌ مُتَأَكَّدٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ فَرْضٌ بَلْ هُوَ مُئَوَّلٌ أَيْ وَاجِبٌ فِي السُّنَّةِ أَوْ فِي الْمُرُوءَةِ أَوْ فِي الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: وَجَبَ حَقُّكَ، ثُمَّ أَخْرَجَ بِسَنَدِهِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَاجِبٌ هُوَ؟ قَالَ هُوَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَاجِبٌ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ، قِيلَ: إِنَّهُ فِي الْحَدِيثِ وَاجِبٌ قَالَ لَيْسَ كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ يَكُونُ كَذَلِكَ.
(عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أَيْ بَالِغٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الِاحْتِلَامَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فَيَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي ذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ بِالْبَالِغِ مَجَازٌ لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ يَسْتَلْزِمُ الْبُلُوغَ، وَالْقَرِينَةُ الْمَانِعَةُ عَنِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَنَّ الِاحْتِلَامَ إِذَا كَانَ مَعَهُ الْإِنْزَالُ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ سَوَاءٌ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ أَمْ لَا.
وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ فَرْضِيَّةَ الْغُسْلِ حَقِيقَةً رَدَّهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي مَذْهَبِهِ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: نَصَّ مَالِكٌ عَلَى وُجُوبِهِ فَحَمَلَهُ مَنْ لَمْ يُمَارِسْ مَذْهَبَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَبَى ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، قَالَ: وَإِلَى السُّنِّيَّةِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ مُخَالَفَةِ هَذَا الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَوَّلُوا صِيغَةَ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ عَلَى التَّأْكِيدِ كَمَا يُقَالُ: إِكْرَامُكَ عَلَيَّ وَاجِبٌ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمُعَارِضُ رَاجِحًا عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ، وَأَقْوَى مَا عَارَضُوا بِهِ حَدِيثُ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنَعِمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» .
وَلَا يُعَارِضُ سَنَدُهُ سَنَدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، قَالَ وَرُبَّمَا أَوَّلُوهُ تَأْوِيلًا مُسْتَنْكَرًا كَمَنْ حَمَلَ الْوُجُوبَ عَلَى السُّقُوطِ.
قَالَ الْحَافِظُ: فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَعَوَّلَ عَلَى الْمُعَارَضَةِ بِهِ كَثِيرٌ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ: فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ فَيَسْتَلْزِمُ إِجْزَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute