عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَجَمَاعَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَمَعْنٌ سَعْدُ بْنُ عُفَيْرٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مِنَ الْوَجْهَيْنِ وَكُلٌّ مِنْ سَعِيدٍ وَالْأَعْرَجِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ أَوْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ» ) الَّذِي تُخَاطِبُهُ إِذْ ذَاكَ أَوْ جَلِيسِكَ سُمِّيَ صَاحِبًا لِأَنَّهُ صَاحَبَهُ فِي الْخِطَابِ أَوْ لِكَوْنِهِ الْأَغْلَبَ (أَنْصِتْ) اسْكُتْ عَنِ الْكَلَامِ مُطْلَقًا وَاسْتَمِعِ الْخُطْبَةَ، وَقَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسَ دُونَ ذِكْرِ اللَّهِ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّحِيَّةِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهَا لِدَلِيلِهَا الْخَاصِّ جَوَازُ الذِّكْرِ مُطْلَقًا.
( «وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تُفِيدُ أَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ مِنَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ لَا مِنْ خُرُوجِ الْإِمَامِ كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
( «يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ) ظَرْفٌ لِقُلْتَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ( «فَقَدْ لَغَوْتَ» ) بِالْوَاوِ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَهِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هِيَ فَقَدْ لَغَوْتَ، لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَتَبِعَهُ الْكِرْمَانِيُّ: ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِيهَا إِذْ قَالَ: وَالْغَوْا (سُورَةُ فُصِّلَتْ: الْآيَةَ ٢٦) وَهِيَ مِنْ لَغَى يَلْغَى وَلَوْ كَانَ يَلْغُوا لَقَالَ الْغُوا بِضَمِّ الْغَيْنِ اهـ.
قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: مَعْنَى لَغَوْتَ خِبْتَ مِنَ الْأَجْرِ، وَقِيلَ بَطَلَتْ جُمُعَتُكَ، وَقِيلَ صَارَتْ جُمُعَتُكَ ظُهْرًا.
قَالَ الْحَافِظُ: وَيَشْهَدُ لِلثَّالِثِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " «وَمَنْ لَغَى وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا» " قَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ: مَعْنَاهُ أَجْزَأَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَحُرِمَ فَضِيلَةَ الْجُمُعَةِ.
وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " «وَمَنْ قَالَ صَهٍ فَقَدْ تَكَلَّمَ وَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ» " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَنَحْوُهُ لِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ أَنْصِتْ لَيْسَتْ لَهُ جُمْعَةٌ» " وَلَهُ شَاهِدٌ قَوِيٌّ فِي جَامِعِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَى لَا جُمُعَةَ لَهُ كَامِلَةً لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاطِ فَرْضِ الْوَقْتِ عَنْهُ.
وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ بَعْضِ مَنْ جَوَّزَ الْكَلَامَ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ فَقَدْ لَغَوْتَ أَيْ أَمَرْتَ بِالْإِنْصَاتِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ جُمُودٌ شَدِيدٌ، لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي مَطْلُوبِيَّتِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ أَمَرَ بِمَا طَلَبَهُ الشَّرْعُ لَاغِيًا، بَلِ النَّهْيُ عَنِ الْكَلَامِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيثِ بِدَلَالَةِ الْمُوَافَقَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا جَعَلَ قَوْلَهُ أَنْصِتْ مَعَ كَوْنِهِ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ لَغْوًا فَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى أَنْ يُسَمَّى لَغْوًا.
وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ «فَقَدْ لَغَوْتَ: عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ» اهـ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَعْنَاهُ الْمَنْعُ مِنَ الْكَلَامِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute