يَقْطَعْ بِأَنَّهُ كِتَابُ اللَّهِ كَالسُّنَنِ الْوَارِدَةِ بِنَقْلِ الْآحَادِ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مَا جَاءَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ يَجْرِي عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ مَجْرَى الْآحَادِ سَوَاءٌ أَسْنَدَهَا أَمْ لَمْ يُسْنِدْهَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا تُجْرَى مَجْرَى الْآحَادِ إِذَا أُسْنِدَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَارِئِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ: لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا وَلَا الْعَمَلُ بِمَضْمُونِهَا وَهُوَ أَبْيَنُ.
(قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ) إِنْ أُطْلِقَ لُغَةً عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الْإِسْرَاعِ وَالْجَرْيِ كَحَدِيثِ: " «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ» " (يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِذَا تَوَلَّى) انْصَرَفَ عَنْكَ (سَعَى فِي الْأَرْضِ) لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ.
رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَمَّا أُصِيبَتِ السَّرِيَّةُ الَّتِي فِيهَا عَاصِمٌ وَمَرْثَدٌ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: يَا وَيْحَ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُونِينَ الَّذِينَ هَلَكُوا لَا هُمْ قَعَدُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَلَا هُمْ أَدَّوْا رِسَالَةَ صَاحِبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [البقرة: ٢٠٤] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ ٢٠٤) الْآيَةَ ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ بِزَرْعٍ لِقَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَحُمُرٍ فَأَحْرَقَ الزَّرْعَ وَعَقَرَ الْحُمُرَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، لَكِنْ تَابَ الْأَخْنَسُ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَشَهِدَ حُنَيْنًا» .
(وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} [عبس: ٨] حَالٌ مِنْ فَاعِلِ جَاءَ {وَهُوَ يَخْشَى} [عبس: ٩] اللَّهَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَسْعَى وَهُوَ الْأَعْمَى (وَقَالَ ثُمَّ أَدْبَرَ) فِرْعَوْنُ عَنِ الْإِيمَانِ (يَسْعَى) فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ (وَقَالَ {إِنَّ سَعْيَكُمْ} [الليل: ٤] عَمَلَكُمْ (لَشَتَّى) مُخْتَلِفٌ فَعَامِلٌ لِلْجَنَّةِ بِالطَّاعَةِ وَعَامِلٌ لِلنَّارِ بِالْمَعْصِيَةِ.
(قَالَ مَالِكٌ: فَلَيْسَ السَّعْيُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَا الِاشْتِدَادِ) أَيِ الْجَرْيِ (وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَلَ وَالْفِعْلَ) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: ١٩] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةَ ١٩) وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: ١٠٤] (سُورَةُ الْكَهْفِ: الْآيَةَ ١٠٤) وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ فَتَكُونُ آيَةُ الْجُمُعَةِ مِثْلَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute