" «فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ فَصَلَّوْا مَعَهُ فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ» " وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: " «امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ حَتَّى اغْتَصَّ بِأَهْلِهِ» " وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْهُ: " «فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ» " (فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: " «حَتَّى سَمِعْتُ نَاسًا مِنْهُمْ يَقُولُونَ الصَّلَاةَ» "، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: " فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ " وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: " «فَفَقَدُوا صَوْتَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ تَأَخَّرَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ» " وَفِي لَفْظٍ عَنْ زَيْدٍ: " «فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ» " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تُفَسَّرُ هَذِهِ اللَّيَالِي الْمَذْكُورَاتُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بِمَا رَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: " «قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ قُمْنَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَلَّا نُدْرِكَ الْفَلَاحَ وَكَانَ يُسَمُّونَ بِهِ السُّحُورَ» " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ.
وَأَمَّا عَدَدُ مَا صَلَّى فَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ» " أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ» " وَهَذَا أَصَحُّ.
وَقَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ أَيْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بَيَانَ عَدَدِ صَلَاتِهِ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي، لَكِنْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ: " «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ فَلَمَّا كَانَتِ الْقَابِلَةُ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا ثُمَّ دَخَلْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ» " الْحَدِيثَ، فَإِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً احْتُمِلَ أَنَّ جَابِرًا مِمَّنْ جَاءَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى وَصْفِ لَيْلَتَيْنِ، وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَامَ حَتَّى كُنَّا رَهْطًا فَلَمَّا أَحَسَّ بِنَا تَجَوَّزَ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ» " الْحَدِيثَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى.
( «فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ» ) مِنْ حِرْصِكُمْ عَلَى الصَّلَاةِ مَعِي، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «فَلَمَّا قَضَى صَلَاةَ الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخَفْ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ» " وَفِي مُسْلِمٍ: " شَأْنُكُمْ ".
( «وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ» ) صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجَزُوا عَنْهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْ تَشُقُّ عَلَيْكُمْ فَتَتْرُكُوهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْعَجْزَ الْكُلِّيَّ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ التَّكْلِيفَ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَتْ هَذِهِ الْخَشْيَةُ مَعَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: «هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» فَإِذَا أُمِنَ التَّبْدِيلُ كَيْفَ يُخَافُ مِنَ الزِّيَادَةِ؟ وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفْعَالُهُ الشَّرْعِيَّةُ يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute