للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهُوَ بِالنَّصْبِ جَوَابًا لِلَعَلَّ وَالرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى يَسْتَغْفِرُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالنَّصْبُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَعْنَى يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ الْغُفْرَانَ لِذَنْبِهِ لِيَصِيرَ مُزَكًّى فَيَتَكَلَّمُ بِمَا يَجْلِبُ الذَّنْبَ فَيَزِيدُ الْعِصْيَانُ عَلَى الْعِصْيَانِ وَكَأَنَّهُ قَدْ سَبَّ نَفْسَهُ، وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ عِلَّةَ النَّهْيِ خَشْيَةَ أَنْ يُوَافِقَ سَاعَةَ إِجَابَةٍ، وَالرَّجَاءُ فِي لَعَلَّ عَائِدٌ عَلَى الْمُصَلِّي لَا إِلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهِ أَيْ لَا يَدْرِي اسْتَغْفَرَ أَمْ سَبَّ مُتَرَجِّيًا لِلِاسْتِغْفَارِ وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ بِضِدٍّ ذَلِكَ، وَعَبَّرَ أَوَّلًا بِنَعَسَ مَاضِيًا، وَثَانِيًا بِنَاعِسٍ اسْمَ فَاعِلٍ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي تَجَدُّدُ أَدْنَى نُعَاسٍ، وَنَقِيضُهُ فِي الْحَالِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ بِحَيْثُ يُفْضِي إِلَى عَدَمِ دِرَايَتِهِ بِمَا يَقُولُ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَقْرَأُ.

قَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: وَإِنَّمَا أُخِذَ بِمَا لَمْ يَقْصِدْ مِنْ سَبِّهِ نَفْسَهُ وَهُوَ نَاعِسٌ لِأَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْوُقُوعِ فِيهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ فَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَيُفْرَضُ عَدَمُ إِثْمِهِ بِعَدَمِ قَصْدِهِ، فَالْقَصْدُ مِنَ الصَّلَاةِ أَدَاءُهَا كَمَا أُمِرَ وَتَحْصِيلُ الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ وَبِفَوَاتِهِ يَفُوتُ الْمَقْصُودُ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ فِيهِ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْءِ سَبُّ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَبَهَا مَنْ لَا يُقِيمُهَا عَلَى حُدُودِهَا وَإِنَّ تَرْكَ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ خُشُوعِهَا وَاسْتِعْمَالِ الْفَرَاغِ لَهَا وَاجِبٌ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةَ ٤٣) قَالَ: مِنَ النَّوْمِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مَعْنَى ذَلِكَ مِنَ النَّوْمِ وَالْأَغْلَبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَمَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَمَعَهُ مَنْ يُوقِظُهُ فَلْيَرْقُدْ لِيَتَفَرَّغَ لِصَلَاتِهِ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّى وَاجْتَهَدَ فِي تَصْحِيحِهَا، فَإِنْ تَيَقَّنَ تَمَامَ فَرْضِهِ وَإِلَّا قَضَاهُ بَعْدَ النَّوْمِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ ثُمَّ مُسْلِمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>