- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " مَنْ هَذِهِ؟ " قُلْتُ: فُلَانَةٌ لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ نَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا، فَقَالَ: " مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» " وَلَكِنْ تُغَايِرُهُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ الْحَوْلَاءَ مَرَّتْ بِهَا وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَارَّةَ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا مِنْ بَنِيِ أَسَدٍ أَيْضًا فَالْقِصَّةُ تَعَدَّدَتْ، وَأَجَابَ الْحَافِظُ بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَيُحْمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ أَوَّلًا عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَمَّا دَخَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَائِشَةَ قَامَتِ الْمَرْأَةُ لِتَخْرُجَ فَمَرَّتْ بِهِ فِي حَالِ ذَهَابِهَا فَسَأَلَ عَنْهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ: " «كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَلَمَّا قَامَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ هَذِهِ؟ " قُلْتُ: فُلَانَةُ وَهِيَ أَعْبَدُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» " الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ، وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَذْكُرْ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ فَلَا يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ التِّينِ لَعَلَّهَا أَمِنَتْ عَلَيْهَا الْفِتْنَةَ فَمَدَحَتْهَا فِي وَجْهِهَا.
(فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ فَقِيلَ لَهُ) الْقَائِلُ عَائِشَةُ، فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: (هَذِهِ الْحَوْلَاءُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمِلَةِ وَالْمَدِّ وَهُوَ اسْمُهَا فَكَنَّتْ عَنْهَا بِفُلَانَةٍ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَصَرَّحَتْ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَفِي هَذَا الْبَلَاغِ بِاسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا فَقَالَتْ: (بِنْتُ تُوَيْتٍ) بِفَوْقِيَّتَيْنِ مُصَغَّرٌ ابْنُ حَبِيبٍ بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ ابْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ مِنْ رَهْطِ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ (لَا تَنَامُ اللَّيْلَ) تُصَلِّي كَمَا زَادَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ، وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أَنَّ عَائِشَةَ حَكَتْ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهَا (فَكَرِهَ) ذَلِكَ (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهِيَةُ) بِخِفَّةِ الْيَاءِ (فِي وَجْهِهِ) قَالَ الْبَاجِيُّ: تَعْنِي أَنَّهُ رُؤِيَ فِي وَجْهِهِ مِنَ التَّقْطِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا عَرَفَتْ بِهِ كَرَاهِيَتُهُ لِمَا وَصَفَتْ بِهِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: لَا تَنَامُ اللَّيْلَ (ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ - وَتَعَالَى - لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» ) بِفَتْحِ الْمِيمِ فِيهِمَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ أَنَّ مَنْ مَلَّ مِنْ عَمَلٍ قُطِعَ عَنْهُ جَزَاءُهُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَلَالِ لِأَنَّهُ بِحِذَائِهِ وَجَوَابٌ لَهُ فَهُوَ لَفْظٌ خَرَجَ عَلَى مِثَالِ لَفْظٍ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا جَعَلُوهُ جَوَابًا لَهُ أَوْ جَزَاءً ذَكَرُوهُ مِثْلَ لَفْظِهِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] (سُورَةُ الشُّورَى: الْآيَةَ ٤٠) وَ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ ١٩٤) {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: ٥٤] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةَ ٥٤) وَ {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ - اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٤ - ١٥] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةَ ١٤، ١٥) وَ {يَكِيدُونَ كَيْدًا - وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: ١٥ - ١٦] (سُورَةُ الطَّارِقِ: الْآيَةَ ١٥، ١٦) .
وَقَالَ الْحَافِظُ: الْمَلَالُ اسْتِثْقَالُ الشَّيْءِ وَنُفُورُ النَّفْسِ عَنْهُ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِاتِّفَاقٍ، قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute