فَرَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ فَجَعَلُوا الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لَا بَعْدَ الْوِتْرِ فَقَالُوا: فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرَ وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ.
وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ بِذَالٍ وَلَامٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الصَّوَابُ دُونَ رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ لِمَوْضِعِهِ مِنَ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَلِثُبُوتِهِ فِي ابْنِ شِهَابٍ وَعِلْمِهِ بِحَدِيثِهِ.
وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ فَهُوَ أَثْبَتُهُمْ فِيهِ وَأَحْفَظُهُمْ لِحَدِيثِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَضْطَجِعَ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا، وَلِرِوَايَةِ مَالِكٍ شَاهِدٌ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي: " «أَنَّ اضْطِجَاعَهُ كَانَ بَعْدَ الْوِتْرِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» " فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَحْفَظَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ وَإِنْ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ انْتَهَى.
أَيْ لِأَنَّهُ إِمَامٌ مُتْقِنٌ حَافِظٌ فَلَا يَضُرُّهُ التَّفَرُّدُ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَزَادَ: «حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» .
ثُمَّ رَوَى بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَيُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِسَنَدِهِ وَفِيهِ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ مَحْفُوظَتَانِ لِأَنَّ شَرْطَ الشُّذُوذِ تَعَذُّرُ الْجَمْعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا، وَبِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الِاضْطِجَاعِ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ نَفْيُ الْآخَرِ، فَكَانَ يَفْعَلُهُ قَبْلُ وَبَعْدُ، وَرَجَّحَ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَرْكُ الِاضْطِجَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute