عَلَى أَنَّ وُتِرَ بِمَعْنَى أُخِذَ، فَأَهْلُهُ هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَقِيلَ: بَدَلُ اشْتِمَالٍ أَوْ بَعْضٍ، وَقِيلَ النَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ وُتِرَ مِنْ حَيْثُ الْأَهْلُ نَحْوَ: غَبِنَ رَأْيَهُ وَأَلِمَ نَفْسَهُ، وَمِنْهُ: {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: ١٣٠] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٣٠) فِي وَجْهٍ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ فِي أَهْلِهِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: رُوِيَ بِنَصْبِ اللَّامَيْنِ وَرَفْعِهِمَا، وَالنَّصْبُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَمَعْنَاهُ انْتُزِعَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَهَذَا تَفْسِيرُ مَالِكٍ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ نُقِصَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَسُلِبَهُمْ، فَبَقِيَ وِتْرًا بِلَا أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، فَلْيَحْذَرْ مِنْ تَفْوِيتِهَا كَحَذَرِهِ مِنْ ذَهَابِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ أَنَّهُ كَالَّذِي يُصَابُ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ إِصَابَةً يَطْلُبُ بِهِمَا وِتْرًا، وَالْوِتْرُ الْجِنَايَةُ الَّتِي تَطْلُبُ ثَأْرَهَا، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَمَّانِ: غَمُّ الْمُصِيبَةِ وَغَمُّ مُقَاسَاةِ طَلَبِ الثَّأْرِ وَلِذَا قَالَ: وُتِرَ، وَلَمْ يَقُلْ: مَاتَ أَهْلُهُ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِرْجَاعِ مَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ فَقَدَهُمَا، فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ النَّدَمُ وَالْأَسَفُ لِتَفْوِيتِهِ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَاتَهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْأَسَفِ عَلَيْهِ كَمَا يَلْحَقُ مَنْ ذَهَبَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ: حَقِيقَةُ الْوِتْرِ كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الظُّلْمُ فِي الدَّمِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ مَجَازٌ، لَكِنْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُوتُورُ هُوَ الَّذِي قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَمْ يُدْرِكْ دَمَهُ، وَيُقَالُ أَيْضًا: وَتَرَهُ حَقَّهُ أَيْ نَقَصَهُ، وَقِيلَ: الْمُوتُورُ مَنْ أُخِذَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ وَذَلِكَ أَشَدُّ لِغَمِّهِ، فَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بِذَلِكَ لِمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَمَّانِ: غَمُّ الْإِثْمِ وَغَمُّ فَوَاتِ الصَّلَاةِ، كَمَا يَجْتَمِعُ عَلَى الْمُوتُورِ غَمَّانِ: غَمُّ السَّلْبِ وَغَمُّ الثَّأْرِ.
وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمَا أُخِذَا مِنْهُ وَهُوَ يَنْظُرُهُمَا.
وَقَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدَّيْنِ الْعِرَاقِيُّ: كَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وُتِرَ هَذَا الْوِتْرَ وَهُوَ قَاعِدٌ غَيْرُ مُقَاتِلٍ عَنْهُمْ وَلَا ذَابٍّ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْغَمِّ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ أَسْلَى لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَهُوَ مُشَاهِدٌ لِتِلْكَ الْمَصَائِبِ غَيْرُ غَائِبٍ عَنْهُمْ فَهُوَ أَشَدُّ لِتَحَسُّرِهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَهْلَ وَالْمَالَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ إِنَّمَا هُوَ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَهْلِ وَالشُّغْلِ بِالْمَالِ، فَذَكَرَ أَنَّ تَفْوِيتَ هَذِهِ الصَّلَاةِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ فَقْدِهِمَا، فَلَا مَعْنَى لِتَفْوِيتِهِمَا بِالِاشْتِغَالِ بِهِمَا مَعَ أَنَّ تَفْوِيتَهُمَا كَفَوَاتِهِمَا أَصْلًا وَرَأْسًا، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفَوَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: هُوَ فِيمَنْ لَمْ يُصِلِّهَا فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ: بِغُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَفِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُهَا ذَهَابُ الْوَقْتِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَتَفْسِيرُ الرَّاوِي إِذَا كَانَ فَقِيهًا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ.
قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَوَرَدَ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ