لِكَثْرَةِ رُوَاتِهَا، وَقِيلَ: السَّبْعُ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةً مِنْ عَدْلٍ حَافَظٍ، وَاخْتُلِفَ فِي مُمَيَّزِ الْعَدَدِ، فَفِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا التَّعْبِيرُ بِدَرَجَةٍ أَوْ حَذْفِ الْمُمَيَّزِ إِلَّا طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِي بَعْضِهَا ضَعْفًا، وَفِي بَعْضِهَا جُزْءًا، وَفِي بَعْضِهَا دَرَجَةً، وَفِي بَعْضِهَا صَلَاةً، وَهَذَا الْأَخِيرُ فِي بَعْضِ طُرُقٍ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْأَثِيرِ إِنَّمَا قَالَ دَرَجَةً وَلَمْ يَقُلْ جُزْءًا وَلَا نَصِيبًا وَلَا حَظًّا وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ فَإِنَّ تِلْكَ فَوْقَ هَذِهِ بِكَذَا وَكَذَا دَرَجَةً لِأَنَّ الدَّرَجَاتِ إِلَى جِهَةِ فَوْقَ، فَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ لَفْظُ دَرَجَةٍ وَمَا عَدَاهَا مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، لَكِنْ نَفْيُهُ وُرُودُ الْجُزْءِ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ وَكَذَا الضَّعْفُ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيِ الْخَمْسِ وَالسَّبْعِ بِأَنَّ ذِكْرَ الْقَلِيلِ لَا يَنْفِيِ الْكَثِيرَ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ مَفْهُومَ الْعَدَدِ، لَكِنْ قَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَبِأَنَّهُ لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِالْخَمْسِ ثُمَّ أَعَلَمَهُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ بِسَبْعٍ، وَرَدَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَارِيخٍ، وَبِأَنَّ دُخُولَ النَّسْخِ فِي الْفَضَائِلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، لَكِنْ إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الدُّخُولِ تَعَيَّنَ تَقَدُّمُ الْخَمْسِ عَلَى السَّبْعِ، لِأَنَّ الْفَضْلَ مِنَ اللَّهِ يَقَبْلُ الزِّيَادَةَ لَا النَّقْصَ، وَجَمَعَ أَيْضًا بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَدَدَيْنِ بِاخْتِلَافِ مُمَيِّزِهِمَا، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ: الدَّرَجَةُ أَصْغَرُ مِنَ الْجُزْءِ، وَرَدَ بِأَنَّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الْجُزْءَ رَوَى عَنْهُ الدَّرَجَةَ، وَقِيلَ: الْجُزْءُ فِي الدُّنْيَا وَالدَّرَجَةُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغَايُرِ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ قُرْبِ الْمَسْجِدِ وَبُعْدِهِ، وَبِالْفَرْقِ بِحَالِ الْمُصَلِّي كَأَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ أَوْ أَخْشَعَ، وَبِإِيقَاعِهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُنْتَظِرِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهِ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ إِدْرَاكِهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، وَبِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ وَقِلَّتِهِمْ، وَبِأَنَّ السَّبْعَ مُخْتَصَّةٌ بِالْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ أَوِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَالْخَمْسِ بِمَا عَدَا ذَلِكَ، وَبِأَنَّ السَّبْعَ مُخْتَصَّةٌ بِالْجَهْرِيَّةِ وَالْخَمْسَ بِالسِّرِّيَّةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ عِنْدِي أَوْجَهُهَا لِطَلَبِ الْإِنْصَاتِ ثُمَّ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالِاسْتِمَاعِ لَهَا، وَلِتَأْمِينِهِ إِذَا سَمِعَهُ لِيُوَافِقَ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ الْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْعَدَدِ مُحَقَّقَةُ الْمَعْنَى.
وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ عَنِ التُّورِبِشْتِيِّ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ بَلْ مَرْجِعُهُ إِلَى عِلْمِ النُّبُوَّةِ الَّتِي قَصُرَتْ عُلُومُ الْأَلِبَّاءِ عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَتِهَا كُلِّهَا انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْفَضَائِلُ لَا تُدْرَكُ بِقِيَاسٍ وَلَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلنَّظَرِ وَإِنَّمَا هِيَ بِالتَّوْقِيفِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ لَا أَحْفَظُهُ الْآنَ: " «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ بِأَرْبَعِينَ دَرَجَةً» "، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ تَعْدِلُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ لِأَنَّهَا تُسَاوِيهَا وَتَزِيدُ عَلَيْهَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute