وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إِلَّا صَلَاةَ الْمَكْتُوبَةِ
ــ
٢٩٣ - ٢٩٠ - (مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضِرِ) سَالِمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ.
(مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ بْنِ مَعْمَرٍ التَّيْمِيِّ.
(عَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ (ابْنِ سَعِيدٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمَدَنِيِّ الْعَابِدِ ثِقَةٌ حَافِظٌ.
(أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ) بْنِ الضَّحَّاكِ الْأَنْصَارِيَّ النَّجَّارِيَّ، أَحَدُ كُتَّابِ الْوَحْيِ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ.
(قَالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) لِبُعْدِهَا عَنِ الرِّيَاءِ وَلِتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ فِي الْبُيُوتِ فَتَنْزِلَ فِيهَا الرَّحْمَةُ وَيَخْرُجَ مِنْهَا الشَّيْطَانُ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِقَوْلِهِ فِي بُيُوتِكُمْ بَيْتُ غَيْرِهِ وَلَوْ أَمِنَ الرِّيَاءَ كَذَا فِي الْفَتْحِ.
(إِلَّا صَلَاةَ الْمَكْتُوبَةِ) أَيِ الْمَفْرُوضَةِ، فَلَيْسَتْ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلَ بَلْ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُشْرَعُ لَهَا فَمَحَلُّهَا أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ كُلَّ نَفْلٍ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يُشْرَعُ لَهُ التَّجْمِيعُ كَالتَّرَاوِيحِ وَالْعِيدَيْنِ، وَمَا تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ أَوْ مَا يَفُوتُ إِذَا رَجَعَ الْمُصَلِّي إِلَى بَيْتِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَمَا لَا يَخُصُّ الْمَسْجِدَ كَالتَّحِيَّةِ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ مَا يُشْرَعُ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْمَسْجِدِ مَعًا فَلَا تَدْخُلُهُ التَّحِيَّةُ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْمَكْتُوبَةِ الْمَفْرُوضَةَ بَلْ مَا تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَفِيمَا وَجَبَ لِعَارِضٍ كَمَنْذُورَةِ احْتِمَالٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ الْمُوَطَّآتِ عَلَى زَيْدٍ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ رَأْيًا لِأَنَّ الْفَضَائِلَ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا بِهِ وَفِيهِ قِصَّةٌ هِيَ سَبَبُ الْحَدِيثِ.
وَرَوَى الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي النَّضِرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «خَيْرُ صَلَاتِكُمْ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إِلَّا صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ» " قَالَ ابْنُ حَوْصَا: لَمْ يُتَابِعْ أَحَدٌ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبَانَ عَلَى رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ عَنْ مَالِكٍ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ بِجَرْحٍ لَا فِي اللِّسَانِ وَلَا فِي الْمِيزَانِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا جَمَاعَةَ إِلَّا فِي الْفَرِيضَةِ وَأَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ فِي السِّرِّ أَفْضَلُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِخْفَاءُ الْعِلْمِ هَلَكَةٌ وَإِخْفَاءُ الْعَمَلِ نَجَاةٌ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي الصَّدَقَاتِ: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٧١] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٧١) .