للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرَ " (فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ) كَمَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَصَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالظُّهْرَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا الصُّبْحُ لِرِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِرَاءَةَ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ أَبُو بَكْرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ لَمَّا قَرُبَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الْآيَةَ الَّتِي كَانَ انْتَهَى إِلَيْهَا خَاصَّةً، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِالْمَسْجِدِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ هَذِهِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا قَاعِدًا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا إِمَامًا ثُمَّ صَارَ مَأْمُومًا كَمَا قَالَ.

(فَاسْتَأْخَرَ) أَيْ تَأَخَّرَ (أَبُو بَكْرٍ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ كَمَا أَنْتَ) أَيْ كَالَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ مِنَ الْإِمَامَةِ، وَأَنْتَ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ وَالْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ أَيْ لِيَكُنْ حَالُكَ فِي الْمُسْتَقَبْلَ مُشَابِهًا لِحَالِكَ فِي الْمَاضِي أَوْ زَائِدَةٌ أَيِ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِمَامَةُ.

(فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ) لَا خَلْفَهُ وَلَا قُدَّامَهُ، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْمَأْمُومِ إِلَّا لِضِيقِ الْمَكَانِ وَكَذَا لَوْ كَانُوا عُرَاةً، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يَجُوزُ وَيُجْزِي وَلَكِنْ يُفَوِّتُ الْفَضِيلَةَ.

(فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي) قَائِمًا (بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ بِتَبْلِيغِهِ لَهُمْ أَيْ يَتَعَرَّفُونَ بِهِ مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ لِضَعْفِ صَوْتِهِ عَنْ أَنْ يُسْمِعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الِانْتِقَالِ فَكَانَ الصِّدِّيقُ يُسْمِعُهُمْ ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْهَا: " فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَاعِدٌ " وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ الْقَاعِدِ الْمَعْذُورِ لِلْقَائِمِ الصَّحِيحِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَجَعَلُوا ذَلِكَ نَاسِخًا لِقَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ الصَّحَابَةَ عَلَى الْقِيَامِ خَلْفَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَالرِّوَايَةُ مَشْهُورَةٌ عَنْ مَالِكٍ عَدَمُ صِحَّةِ الِائْتِمَامِ وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَقَالَ: ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثِ جَابِرِ الْجُعْفِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ مَرْفُوعًا: " «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا» " وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ جَابِرًا ضَعِيفٌ مَعَ إِرْسَالِهِ.

وَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُ الصَّلَاةِ بِالْجَالِسِ أَيْ بِإِعْرَابِ جَالِسًا مَفْعُولًا لَا حَالًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَوْ صَحَّ احْتَاجَ إِلَى تَارِيخٍ لَكِنْ قَوَّاهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّ مُوَاظَبَتَهُمْ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ تَشْهَدُ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَاحْتَجَّ عِيَاضٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِنَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْأَئِمَّةَ شُفَعَاءُ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>