وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَلَمْ تَرَ إِلَى صَلَاةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ
ــ
٣٣٤ - ٣٣١ - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ تَرْكَهُ.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى صَلَاةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ؟) بِالْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، فَقَاسَ سَالِمٌ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْعِلَّةَ السَّفَرُ.
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ» " وَلَوْ لَمْ يَرِدْ مِنْ فِعْلِهِ إِلَّا هَذَا لَكَانَ أَدَلَّ دَلِيلٍ عَلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ فِي السَّفَرِ، وَإِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ، ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ مَشْهُورَةٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَشْهَبُ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَمَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُخْتَصُّ بِمَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَقِيلَ: يُخْتَصُّ بِالسَّائِرِ دُونَ النَّازِلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، وَقِيلَ: بِمَنْ لَهُ عُذْرٌ، وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لَا التَّقْدِيمُ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ مُطْلَقًا إِلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ أَنَّهُمَا خَالَفَاهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ السُّرُوجِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ، وَأَجَابُوا عَنِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ جَمْعٌ صُورِيٌّ وَتَقَدَّمَ رَدُّهُ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: ثَبَتَ فِي الْجَمْعِ أَحَادِيثُ نُصُوصٍ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَأْوِيلٌ، وَدَلِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الِاسْتِنْبَاطُ مِنَ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَإِنَّ سَبَبَهُ احْتِيَاجُ الْحَاجِّ إِلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَنَاسِكِهِمْ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ، وَلَمْ تَتَقَيَّدِ الرُّخْصُ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ بِالنُّسُكِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ أَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ مِنَ الْقَصْرِ، فَإِنَّ الْقَائِمَ إِلَى الصَّلَاةِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ يَضُمُّهُمَا إِلَى رَكْعَتَيْهِ، وَرِفْقُ الْجَمْعِ بِمَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute