للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَخَذَ بِنَفْسِكَ) » قَالَ ابْنُ رَشِيقٍ: أَيْ إِنَّ اللَّهَ اسْتَوْلَى بِقُدْرَتِهِ عَلَيَّ كَمَا اسْتَوْلَى عَلَيْكَ مَعَ مَنْزِلَتِكَ.

قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّوْمُ غَلَبَنِي كَمَا غَلَبَكَ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ إِذَا كُنْتَ أَنْتَ فِي مَنْزِلَتِكَ مِنَ اللَّهِ قَدْ غَلَبَتْكَ عَيْنُكَ وَقُبِضَتْ نَفْسُكَ فَأَنَا أَحْرَى بِذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ قَبَضَ نَفْسِي الَّذِي قَبَضَ نَفْسَكَ فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَ النَّفْسَ وَالرُّوحَ شَيْئًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، فَنَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ هُوَ الرُّوحُ، وَفِي الْقُرْآنِ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢] (سُورَةُ الزُّمَرِ: الْآيَةُ ٤٢) الْآيَةَ.

وَمَنْ قَالَ: النَّفْسُ غَيْرُ الرُّوحِ تَأَوَّلَ أَخَذَ بِنَفْسِي مِنَ النَّوْمِ الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ مِنْهُ.

زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقْتَ» ".

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الَّذِي كَلَأَ الْفَجْرَ بِلَالٌ.

وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ عُمَرُ الرَّابِعُ فَكَبَّرَ حَتَّى اسْتَيْقَظَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ الْعُمَرَيْنِ لَمْ يَكُونَا مَعَهُ لَمَّا نَامَ.

وَفِي قِصَّةِ عِمْرَانَ أَنَّهُمَا كَانَا مَعَهُ.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ سَبَبَهَا بِقِصَّةِ عِمْرَانَ وَفِيهِ: أَنَّ الَّذِي كَلَأَ الْفَجْرَ ذُو مِخْبَرٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَلَأَ لَهُمُ الْفَجْرَ، قَالَ الْحَافِظُ: فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ذَكَرَ أَنَّ عِمْرَانَ سَمِعَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فَقَالَ: انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي كَنْتُ شَاهِدَ الْقِصَّةِ فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَدِيثِ شَيْئًا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِهَا، لَكِنْ لِمُدَّعِي التَّعَدُّدِ أَنْ يَقُولَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ عِمْرَانَ حَضَرَ الْقِصَّتَيْنِ فَحَدَّثَ بِإِحْدَاهُمَا وَصَدَّقَ ابْنَ رَبَاحٍ لَمَّا حَدَّثَ بِالْأُخْرَى. انْتَهَى.

فَلْيُتَأَمَّلِ الْجَمْعُ بِمَاذَا مَعَ هَذَا التَّغَايُرِ فِي الَّذِي كَلَأَ وَأَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ، وَأَنَّ الْعُمَرَيْنِ مَعَهُ فِي قِصَّةِ عِمْرَانَ دُونَ قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ، وَسَبَقَ اخْتِلَافٌ آخَرُ فِي مَحَلِّ النَّوْمِ، فَالْمُتَّجِهُ مَا رَجَّحَهُ عِيَاضٌ أَنَّ النَّوْمَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ وَإِلَيْهِ أَوْمَى الْحَافِظُ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا قَالَ السُّيُوطِيُّ: لَا يُجْمَعُ إِلَّا بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ.

( «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَادُوا» ) بِالْقَافِ وَالْفَوْقِيَّةِ أَيِ ارْتَحِلُوا، وَبِهِ عَبَّرَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» ".

وَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقَالَ: " «إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ» " فَعَلَّلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي تَعْلِيلِهِ وَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ فِي التَّالِي.

( «فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ» ) أَثَارُوهَا لِتَقُومَ (وَاقْتَادُوا شَيْئًا) قَلِيلًا، وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ: «فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِارْتِحَالَ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ سَيْرِهِمُ الْمُعْتَادِ.

وَفِي مُسْلِمٍ: «ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>