يَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمِائَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بَلِ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ، وَمُمَيِّزُ الْأَرْبَعِينَ إِنْ كَانَ هُوَ السَّنَةُ ثَبَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مَا دُونَهَا فَمِنْ بَابِ أَوْلَى.
(قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي أَقَالَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ (أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً) وَلِلْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ الضَّبِّيِّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ: لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا.
وَجَعَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ الْجَزْمَ فِي طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَالشَّكَّ فِي طَرِيقِ غَيْرِهِ دَالًّا عَلَى التَّعَدُّدِ.
قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ بِالشَّكِّ أَيْضًا، وَيَبْعُدُ أَنَّ الْجَزْمَ وَالشَّكَّ وَقَعَا مِنْ رَاوٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: لَعَلَّهُ تَذَكَّرَ فِي الْحَالِ فَجَزَمَ وَفِيهِ مَا فِيهِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيرِ الْمُرُورِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ النَّهْيُ الْأَكِيدُ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُعَدَّ فِي الْكَبَائِرِ، وَفِيهِ أَخْذُ الْقَرِينِ عَنْ قَرِينِهِ مَا فَاتَ أَوِ اسْتِثْبَاتُهُ فِيمَا سَمِعَ مَعَهُ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّ زَيْدًا اقْتَصَرَ عَلَى النُّزُولِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعُلُوِّ اكْتِفَاءً بِرَسُولِهِ الْمَذْكُورِ، وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ لِيَعْلَمَ هَلْ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَيَلْقَاهُ فَيَأْخُذُهُ عَنْهُ، رَدَّهُ الْبَاجِيُّ بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ وَلَمْ يُرْسِلْهُ يَسْأَلُهُ هَلْ سَمِعَ، وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ لَوْ فِي الْوَعِيدِ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ أَنْ يَشْعُرَ بِمَا يُعَانِدُ الْمَقْدُورَ، وَاسْتَنْبَطَ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِثْمَ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَعْلَمُ بِالنَّهْيِ وَارْتَكَبَهُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَأَخْذُهُ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ بُعْدٌ لَكِنْ هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَعِيدَ يَخْتَصُّ بِمَنْ مَرَّ لَا بِمَنْ وَقَفَ عَامِدًا مَثَلًا بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي أَوْ قَعَدَ أَوْ رَقَدَ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ التَّشْوِيشُ عَلَى الْمُصَلِّي فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَارِّ، وَظَاهِرُهُ عُمُومُ النَّهْيِ فِي كُلِّ مُصَلٍّ، وَخَصَّهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّ سُتْرَةَ إِمَامِهِ سُتْرَةٌ لَهُ أَوْ إِمَامُهُ سُتْرَةٌ لَهُ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى لِأَنَّ السُّتْرَةَ تُفِيدُ رَفْعَ الْحَرِجِ عَنِ الْمُصَلِّي لَا عَنِ الْمَارِّ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute