عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّفُّ حَائِلًا دُونَ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرَى فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَرَائِهِ كَمَا يَرَى مِنْ أَمَامِهِ.
وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَائِلٌ دُونَ الرُّؤْيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى سُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحْدُثُ لَهُمْ كَافِيًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُرُورَ الْحِمَارِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَهُوَ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ مُرُورَ الْحِمَارِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُرُورَ الْحِمَارِ مُحَقَّقٌ فِي حَالِ مُرُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ رَاكِبُهُ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، وَأَمَّا مُرُورُهُ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ عَنْهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا يَخُصُّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدْعُ أَحَدًا بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، فَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا نَقَلَ عِيَاضٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومِينَ يُصَلُّونَ إِلَى سُتْرَةٍ لَكِنِ اخْتُلِفَ هَلْ سُتْرَتُهُمْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ أَوْ سُتْرَتُهُمُ الْإِمَامُ نَفْسُهُ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى الِاتِّفَاقِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَرَ الْغِفَارِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَمَرَّ حَمِيرٌ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ فَأَعَادَ بِهِمُ الصَّلَاةَ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: إِنَّهَا لَمْ تَقْطَعْ صَلَاتِي وَلَكِنْ قَطَعَتْ صَلَاتَكُمْ.
وَحَدِيثُ سُتْرَةِ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ سُوِيدٌ عَنْ عَاصِمٍ اهـ.
وَسُوِيدٌ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ.
وَوَرَدَتْ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ مَوْقُوفٍ عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ عِيَاضٌ فِيمَا لَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ أَحَدٌ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ يَضُرُّ صَلَاتَهُ وَصَلَاتَهُمْ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْإِمَامُ نَفْسُهُ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ يَضُرُّ صَلَاتَهُ وَلَا يَضُرُّ صَلَاتَهُمْ. اهـ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ شَيْخِهِ إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute