( «فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا» ) رَبُّهَا تَعَالَى (بِنَفَسَيْنِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ تَثْنِيَةُ نَفَسٍ وَهُوَ مَا يَدْخُلُ فِي الْجَوْفِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ مِنَ الْهَوَاءِ، فَشَبَّهَ الْخَارِجَ مِنْ حَرَارَتِهَا وَبَرْدِهَا إِلَى الدُّنْيَا بِالنَّفَسِ الْخَارِجِ مِنْ جَوْفِ الْحَيَوَانِ، وَقِيلَ: شَكْوَاهَا مَجَازٌ بِلِسَانِ الْحَالِ، أَوْ تَكَلَّمَ خَازِنُهَا أَوْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ وَنَظَائِرُ، وَالْأَرْجَحُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، أَنْطَقَهَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَقَالَ عِيَاضٌ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْحَيَاةِ بِجُزْءٍ مِنْهَا حَتَّى تَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْلُقَ لَهَا كَلَامًا يَسْمَعُهُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا إِحَالَةَ فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَإِذَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ بِأَمْرٍ جَائِزٍ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَأْوِيلِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَوْلَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ الْحَقِيقَةُ، وَجَعَلَ اللَّهُ فِيهَا إِدْرَاكًا وَتَمْيِيزًا بِحَيْثُ تَكَلَّمَتْ، وَقَالَ بِهَذَا نَحْوِهِ التُّورِبِشْتِيُّ، وَرَجَّحَ الْبَيْضَاوِيُّ الْمَجَازَ فَقَالَ: شَكْوَاهَا مَجَازٌ عَنْ غَلَيَانِهَا، وَأَكْلُ بَعْضِهَا بَعْضًا مَجَازٌ عَنِ ازْدِحَامِ أَجْزَائِهَا، وَتَنَفُّسُهَا مَجَازٌ عَنْ خُرُوجِ مَا يَبْرُزُ مِنْهَا.
وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الْمُخْتَارُ الْحَقِيقَةُ لِصَلَاحِيَةِ الْقُدْرَةِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ اسْتِعَارَةَ الْكَلَامِ لِلْحَالِ وَإِنْ عُهِدَتْ وَسُمِعَتْ لَكِنَّ الشَّكْوَى وَتَفْسِيرَهَا وَالتَّعْلِيلَ لَهُ وَالْإِذْنَ وَالْقَبُولَ وَالنَّفَسَ وَقَصْرَهُ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَطْ بَعِيدٌ مِنَ الْمَجَازِ خَارِجٌ عَمَّا أُلِفَ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ. (فِي كُلِّ عَامٍ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ) هُمَا بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ أَوِ الْبَيَانِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِتَقْدِيرِ أَحَدُهُمَا وَالنُّصْبُ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute